ما الذي يجعل من اللحم “لحمًا”؟ لونه؟ شكله؟ قوامه؟ قيَمه الغذائية؟ إن سألتم إشحار بن شتريت، مؤسِّس Redefine Meat، سيجيبكم: “كل الأجوبة صحيحة”. في رحلته لتطوير ما يطلق عليه اسم “لحم جديد”، بديل لحم نباتي المصدر يُطبَع في تقنية ثلاثية الأبعاد، يسعى بن شتريت لإعادة إنتاج واحدة من أهم مميزات تجربة طهي اللحم وأكله; “تفاعل ميار”، التكرمل الرائع إياه الذي ينتج عن الْتقاء الستيك بدرجة حرارة مرتفعة، أو العصائر التي تخلفها قطعة لحم على الصحن في نهاية الوجبة.
كيف من الممكن التوصل لهذه النتيجة؟ التقينا ببن شتريت في مطبخ التجارب في أسيف ليحدثنا عن المشروع ويذوّقنا من منتجاته بالطبع.
على أن أسألك بداية عمّا إذا كنت خضريًا.
“أنا نباتي لكني أحاول التقرّب للخضرية أكثر. الخضرية هي الطريق الوحيدة، أخلاقيًا وبيئيًا. أحب الطبخ ويصعب علي لذلك التخلّي عن البيض والحليب، رغم أني مدرك تمامًا للأضرار الجسيمة التي تسببها هاتين الصناعتين. صناعتا البيض والحليب تزعجانني أكثر من صناعة اللحم. الثمن الشخصي الذي دفعته لتوقفي عن تناول اللحم كان صعبًا وسيكون من المستحيل أن أتوقف عن تناول المزيد من المواد. آمل أن يتوصلوا سريعًا لبدائل لكل المنتجات حيوانية المصدر”
“بعد أن توقفت عن أكل اللحم بدأت أبحث، بهوس، عن بديل يمتعني تناوله. ليس لاشتياقي للطعم والقوام فقط، بل لأني اشتقت لاستضافة الأصدقاء وتدليلهم بالأطباق المذهلة التي أحضرّها”
إشحار بن شتريت
إذًا ما الذي دفع بك للمبادرة لإنتاج بديل لحم، أو “لحم جديد” كما تسميه؟ الاستدامة أم الربح الشخصي؟
“بعد أن توقفت عن أكل اللحم بدأت أبحث، بهوس، عن بديل يمتعني تناوله. ليس لاشتياقي للطعم والقوام فقط، بل لأني اشتقت لاستضافة الأصدقاء وتدليلهم بالأطباق المذهلة التي أحضرّها. تجربتي في الطهي كهاوي طبخ تمحورت أساسًا، منذ كنت في التاسعة من عمري، حول اللحم، خاصة الستيكات. أقمت Redefine Meat أساسًا لأني أريد العودة لتناول اللحم; لحم لذيذ، سواء كان همبورغر أم ستيك. أريد العودة للكانون الذي أشارك عليه أبي وجدي بستيكات وكأس نبيذ – لكن دون أن أسبب أي ضرر لأي حيوان”.
“هذا بالإضافة إلى أني عملت، خلال مسيرتي المهنية، مع مجالات تكنولوجية مختلفة معقدة ومثيرة للاهتمام لكنها لم تثر لدي مشاعر خاصة، تناولت تنجيع الإجراءات والسيرورات أو زيادة الربح، لكني كنت أبحث عن تحدٍ تكنولوجي ذي معنى أشعر بتواصل ما معه. قد يبدو هذا غريبًا، لكني دائمًا ما أقول لنفسي إنه، لو كان هناك شخص قدِّر له أن يعمل بطباعة ثلاثية الأبعاد للحم – فهو أنا على ما يبدو”.

دعنا نعود لخلفيتك. ماذا درست وما الذي عملت به قبل ذلك؟
“درست الحقوق وإدارة الأعمال وعملت لعدة سنوات في منصب مدير منتج في HP في قسم إنديجو (الطباعة الصناعية)، ثم كنت المسؤول عن التسويق في “هايكون”، شركة ستارت-أب إسرائيلية تطور ماكينات لإنتاج الأغلفة والعبوات. هناك انكشفت على تطوير تكنولوجيا جديدة لطباعة ثلاثية الأبعاد للأثاث والأغراض كبيرة الحجم”.
إذًا متى أقمت Redefine Meat؟
“ولِد لي ابن قبل ثلاث سنوات ونصف وفي اليوم إياه توقفت عن العمل في هايكون. بدأت أفكر بطباعة اللحم وشاركت بها آدم، المؤسس الشريك، وعدة أشخاص آخرين من محيطي القريب كانوا أول من استثمروا بالشركة. في حزيران 2018 استأجرنا مختبرًا صغيرًا كان فوق كراج في نس-تسيونا، وانضممنا إلى مسرّع فود-تك تابع للتخنيون، شتراوس، والاتحاد الأوروبي”.
ما هو هذا “اللحم الجديد” أصلًا؟ وما هي التكنولوجيا الواقفة وراءه؟
“ننتج اللحم بأدوات تكنولوجية تستبدل للبقرة. تعرف منتجاتنا كيف “تقلد” الكثير من خصائص اللحم كالـ “زاكي” والـ “لحمي”. نؤمن، ونثبت أيضًا، أن من الممكن إيجاد الكثير من مميزات اللحم في منتجات نباتية صحية، ودودة للبيئة، وأرخص أيضًا. ما نقوم به، في الواقع، هو أننا ننتج من النباتات مركبات تسمى “عضل”، “دهن” و- “دم” وندمج بينها حتى نحصل على منتج غذائي يمكننا أن نطلق عليه اسم “لحم بديل”، أو “لحم جديد” كما نفضل أن نسميه”.

ما الذي يميّز اللحم الجديد عن باقي بدائل اللحم المتوفرة في السوق؟
“نرى باللحم علمًا ثم تكنولوجيا، ثم منتجًا غذائيًا. كل واحدة من الشركات في السوق تقوم بواحد فقط من بين الثلاثة بينما نجمع نحن بين ثلاثتها. تقنياتنا وابتكارنا تتعمق بما يعطي اللحم قوامه وطعمه، ما الذي يميز قطعًا ما عن قطع أخرى، وما شابه. لكن أبرز وأوضح ما يميزنا هو طباعة المنتج ثلاثية الأبعاد بالطبع. طوّرنا سيرورة صناعية لإنتاج قطع لحم كاملة من ملف رقمي بماكينات مخصصة”.
يُسأَل السؤال، لماذا اخترتم الإنتاج بواسطة الطباعة؟
“اللحم هو أكثر المنتجات الغذائية تعقيدًا. طورت حياة البقرة هيكلًا معقدًا ينسج أليافًا زلالية، أورِدة دهنية وجزيئات طعم ولون خاصة في السائل المحتبَس في العضل. الطباعة هي الطريقة الوحيدة للتوصل إلى سيطرة دقيقة على الموقع والقوام والنِسَب بين المركبات المختلفة بشكل يتيح الاقتراب لما فعله النشوء والارتقاء، أو الله، بالبقرة. هذا بالإضافة إلى أن مجرى التطوير لدينا أسرع بكثير لأن بإمكاننا إنتاج قطع مختلفة وتجريبها دون أن نغير المركبات، بل الملف فقط”.
وهل هذا مجدٍ اقتصاديا؟ مقارنة بمنتجات اللحوم وبدائل اللحوم أيضًا، هل لديك تقدير للتكلفة للمستهلك النهائي؟
“ما زال إنتاجنا على نطاق ضيق حاليًا لذلك فإن هيكل التكاليف لا يظهر الصورة الكاملة بعد. ينبغي أن نتذكر أيضًا أن لصناعة اللحوم سلسلة قيمة تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات، ما يتيح لها أن تكون مربحة رغم أن السيرورة ليست ناجعة بتاتًا. لا شك في أنه، على المدى المتوسط، لن تكون بدائل اللحوم النباتية صحية ومغذية أكثر فحسب، بل وأرخص أيضًا”.
وعلى سيرة الصحي والمغذّي – إحدى أبرز وأهم الصرعات في مجال الطهي والطعام اليوم هي تتبّع مصادر الغذاء وجذوره. نعرف ما الذي لا يحتوي عليه منتجكم، لكن ما الذي يحتوي عليه وكيف يترجَم هذا لقيَم غذائية؟
“لحسن الحظ، حتى ننتج قوامًا وطعمًا لحميًا، علينا تتبع مبنى اللحم البيولوجي. نطبخ لذلك أنواعًا مختلفة من الزلاليات لخلق القوام، ما يتيح لنا التوصل لتركيب عالي الجودة من الحوامض الأمينية. ندمج أنواع دهنيات متنوعة للتوصل إلى الطراوة لكن منتجنا يحتوي على كمية دهن أقل بكثير من كمية الدهن الموجودة في اللحم، أقل دهون مشبعة ولا كولسترول بتاتًا. تحتوي منتجاتنا على القليل من الألياف أيضًا، ما لا يحتوي عليها اللحم بتاتًا وهي مهمة ومغذية جدًا”.
“على خلاف صناعة اللحم، نحن شفافون جدًا بشأن المواد الخام وسيرورة الإنتاج. سيكون بإمكان الأطفال مشاهدة سيرورة الإنتاج لدينا وستكون قائمة المركبات التي نستخدمها مكشوفة للجميع عند خروجنا للسوق. كافة المواد هي منتجات معروفة يستهلكها الناس اليوم. قررنا استخدام مواد طعم ولون طبيعية. يهمني مع ذلك أن أشدد على أن الهدف من منتجاتنا هو ليس استبدال اللحم كمصدر غذائي – بل كمصدر للمتعة”.