“لكلّ عشبة وعشبة أغنيتها الخاصّة”

يوضّح البروفيسور نتيف دوداي من مركز أبحاث نافي يعار التابع لمعهد فولكاني مستخدمًا ثلاثة أعشاب، كيف يساهم التنوع الجيني في تطوير أصناف مختلفة من الأعشاب، النباتات الطبية والعطور. من منظور شخصيّ لمربّي نباتات

بروفسور نتيف دودائي |

في إحدى الصحف الشهيرة ادّعى طبيب معتمد أنّ نبتة المريمية تساعد على التخلّص من الرشح. هل هذا صحيح؟ المريمية هو اسم الجنس “Genus” وتنتمي اليه مئات الأنواع (Species) حيث يختلف كلّ منها اختلافًا كبيرًا عن الأنواع الأخرى- ليس في الشكل فحسب، إنّما في الخصائص الأخرى. لتبسيط الصورة، البشر والقرود أيضا هما نوعان ينتميان للجنس ذاته.

إضافة إللى ذلك، حتى لو افترضنا أن الطبيب كان يقصد نوع “المريمية الطبية” (Salvia officinalis)، فهناك تشكيلة كبيرة ضمن هذا النوع. تضم مجموعتنا الجينية الحيّة في نافي يعار مئات نباتات المريمية الطبية، وحتّى من منظور غير مهنيّ لمربي نباتات يمكن بسهولة رؤية التنوّع الهائل والاختلاف الذي ينعكس في الشكل، مبنى النبتة وصورتها، موعد ولون أزهارها وبالطبع نكهتها ورائحتها. تحتوي هذه النباتات على مجموعة متنوّعة من المواد الثانوية التي تملك مذاقًا، رائحة ونشاطًا بيولوجيًا مختلفًا. إن الاختلاف بين هذه المواد في تركيبتها الكيميائية لا يقلّ عما نراه بالعين المجردة؛ لو أنّنا نعمل في مجال الطبّ، علينا أن نتطرّق إلى محتوى المكونات الفعالة وتركيبتها، بينما لو أنّنا نعمل في مجال الطهي، فعلينا أن ننتبه إلى المذاق والرائحة التي نحصل عليها من تشكيلة المواد الموجودة في النبتة. فيما بعد سأتطرّق إلى الموضوع بتوسّع من منظور شخصيّ، بحكم عملي كباحث في مجال النباتات الصالحة للأكل لسنوات عديدة.

ولادة نجم

مثال نبتة المريمية ليس الوحيد من نوعه فهذا ينطبق على كافّة النباتات الأخرى. على سبيل المثال، في نافي يعار تنمو مجموعة كبيرة من نباتات اكليل الجبل (Rosmarinus .(officinalis تمّ جمع بعضها من الطبيعة البرية أو من مزروعات البلاد والعالم، وبعضها حصلنا عليها نتيجة عمليات تهجين. عندما نزرع نباتات من أصول مختلفة في العالم معًا، يمكننا التهجين فيما بينها والحصول على جيل جديد بمزيج من الخصائص الجديدة غير الموجودة في الطبيعة. وفي هذه الحالة أيضا ليس من الصعب ملاحظة الفروقات الهائلة بينها، من حيث الشكل والمذاق والرائحة. حتى دون إلمام بعالم الطهي، من الممكن ملاحظة اختلافات كبيرة بين الأصناف، واستخدام كلّ صنف لغرض آخر في الطبخ.

اكليل الجبل. رسم:اوري كرول

من ناحية طبية، نبتة اكليل الجبل معروفة بخصائصها العديدة، فأنواع معينة منها، كما أظهرت بعض الدراسات، مرتبطة بوظيفة الدماغ والذاكرة. من الواضح إذن أنه لو كان محتوى المكونات الفعالة في كلّ صنف مختلفًا، فتكون خصائصها مختلفة أيضًا. إن التنوع الجيني، حتى لو تمّ افتعاله بشكل مصطنع من خلال التهجين، يخدم المزارع من خلال السماح له باختيار أصناف عالية الجودة مناسبة لأغراض مختلفة.

من الممكن إكثار نباتات اكليل الجبل بسهولة عن طريق تجذير العُقلة (جزء منفصل عن النبتة الأم ويمكنه تنمية جذور، فروع وأوراق). ميزة هذه العملية تكمن في تشابه المادّة الوراثية بين النباتات الجديدة ونبتة الأم، وبالتالي التشابه في كافة الخصائص. بهذه الطريقة يمكننا زراعة حقول كبيرة مصدرها نبتة واحدة مُختارة. ومن الخصائص الأخرى المعروفة في حصى البان والتي تعزّز الحمض النووي، هي قدرتها على الحفاظ على الطعام. على ما يبدو قد ظهرت هذه الميزة بفضل مادة مضادة للأكسدة تدعى “حمض الكارنوسيك” والتي تستخدم كمادة حافظة طبيعية. المواد الحافظة للأطعمة الصناعية موجودة منذ سنوات عديدة إلّا أنّ الكثير منها اصطناعيّ. في يومنا هذا، مع زيادة الطلب على الأطعمة التي تحتوي على مواد طبيعية هناك سعي متواصل للبحث عن مواد حافظة طبيعية (Natural preservatives). واكليل الجبل هي المصدر النباتي الرئيسي لهذا الغرض اليوم. تمرّ النباتات بعملية استخلاص، يخرج منها مركّزًا يحتوي على نسبة عالية من حمض الكرنوسيك.

“تكاليف الزراعة في إسرائيل مرتفعة مقارنة بالدول التي تكون فيها الموارد كالأيدي العاملة والمياه أقلّ تكلفة. وبالتالي لن تتوفّر لدينا الفرصة للمنافسة في زراعة حصى البان إذا لم نتمتّع بأفضلية نسبية في تكاليف الزراعة أو في قيمة المنتوج

بروفيسور نتيف دودائي

عامّة، أوراق اكليل الجبل (الروزمارين) المجفّفة والمستخدمة كمادة خامة لاستخراج حمض الكارنوسيك تحتوي على نسبة 2%-3% من هذه المادة. عندما قمنا بفحص جميع النباتات في مجموعتنا، وجدنا تغيّرًا كبيرًا في محتوى حمض الكرنوسيك. ومن هنا جاءت فكرة انتقاء الأصناف المتميّزة في هذا الجانب، فلدهشتنا قد وجدنا أصنافًا تحتوي على أكثر من 9% من حمض الكرنوسيك. كما ذكرنا سابقًا، تكاليف الزراعة في إسرائيل مرتفعة مقارنة بالدول التي تكون فيها الموارد كالأيدي العاملة والمياه أقلّ تكلفة. وبالتالي لن تتوفّر لدينا الفرصة للمنافسة في زراعة اكليل الجبل إذا لم نتمتّع بأفضلية نسبية في تكاليف الزراعة أو في قيمة المنتوج. بالفعل، النسبة العالية والموحدة من حمض الكرنوسيك قد تحقّق هذا الشرط. من الواضح أنّ أوراق حصى البان التي تحتوي على مزيد من حمض الكرنوسيك ستحقّق سعرًا أعلى، أي ستجني أرباحًا أعلى، ليس فقط بسبب الكمية الإجمالية وإنما بسبب التوفير في تكلفة عمليات الاستخراج وتركيزه.

ومع ذلك، هذا لا يكفي. هذه ميزة تعود بالفائدة على المستهلك ولكن إذا كانت نباتات الصنف المُختار لا تتمتّع بخصائص محسّنة بالنسبة للمزارع – كالإنتاجية العالية، بنية ملائمة للحصاد، نسبة عالية بين الأوراق والسيقان، مقاومة الأمراض والآفات الزراعية وما شابه- فلم نكسب شيئا. لذلك يجب أن نأخذ كلّ هذه الخصائص بعين الاعتبار أثناء عملية الاختيار، والتي تعود بالفائدة على كلّ من المزارع والمستهلك. أما نحن فقد قمنا بزراعة صنف أوّلي في مناطق واسعة في النقب وتصديره بأسعار مرتفعة إلى مصانع تُعنى بالمواد الحافظة الطبيعية في جميع أنحاء العالم.

في نهاية الأمر وبعد تألّق صنف آخر من اكليل الجبل في بحث لمعهد “سديه بوكر” كعلاج فعال للأمراض البكتيريّة في الأسماك، التقيت بالدكتور المرحوم يوسي راكوفر (طبيب مختصّ بالأنف، الأذن والحنجرة) ومعًا قمنا بتطوير صيغة كيميائية لاستخراج صنف اكليل الجبل هذا لعلاج البكتيريا العقدية في البشر.

كما هو مذكور أعلاه ومعروف للجميع، لاكليل الجبل استخدامات أخرى – يستخدم أساسًا للزينة وللتتبيل. هذا هو المكان المناسب لنحدّثكم عن أحد أصناف اكليل الجبل الذي قمنا بإنتاجه “باربكيو”. لماذا “باربيكيو”؟ ذات يوم في سنوات الـ80، ظهر ضيف في مكتبي وهو الكاتب عاموس كينان. قال بأنّ الطهي يروق له ولديه حديقة توابل على سطح منزله. نظرًا لكوني مهندسًا زراعيًا ولست طبّاخًا، فقد قررنا أن آخذه في جولة بين مجموعة الأعشاب وهو بدوره سيقدّم لي نصائح حول كيفية استخدامها في الطهي … هكذا حصلت على النصيحة الرابحة: ماذا أفعل مع اكليل الجبل؟ ننثر أوراقه فوق اللحم الموضوع على الشواية لإضفاء نكهة عليه. قد مرّ أكثر من عقد حتى أعادتني إحدى النباتات الجديدة في المجموعة إلى هذه الحكاية.

كانت تلك نبتة اكليل الجبل، منتصبة تمامًا يعود أصلها إلى سلالة نادرة وجدتها في جبل سيناء، تتمتّع برائحة ناعمة ولطيفة حتى في عروقها، أوراقها فاتحة وشكلها مميّز وجميل. الفكرة التي راودتني هي إمكانية استخدام فروعها كأسياخ لإضفاء نكهة اكليل الجبل على اللحم. في نهاية الأمر، تمّ نقل الحقوق على هذا الصنف لشركة المشاتل “حشتيل” والتي بدورها جعلته من أكثر الأصناف مبيعًا في العالم. إذ يُعتبر صنف اكليل الجبل الرائد لديهم منذ سنوات عديدة، وهو يباع أساسًا لزراعة الحدائق والأصص.

رومانسيه ام استخدام عملي؟

حتى الآن قد تطرّقنا إلى التنوّع في الطبيعة وكيف يساهم في تطوير أجود الأصناف لأهداف مختلفة. والآن لنتحدّث عن تربية النباتات البريّة. لماذا نزرعها أساسًا؟ فلطالما قطف البشر النباتات البريّة بما في ذلك الأعشاب. مثالًا على ذلك، الزعتر في اليونان وتركيا أو المريمية الطبية في جبال الدولوميت. كما ذكر سابقًا، يوجد في الطبيعة تنوع بيولوجي – أي بسبب التنوع الجيني، فإن النباتات لا تملك الخصائص ذاتها. في العالم الحديث، تتطلّب الصناعة وجود مادة خام موحدة تتطابق مع العينة التي استلمها الشاري من المزوّد قبل عملية البيع. يصعب تحقيق هذا عندما نقطف من التشكيلة الموجودة في الطبيعة. فمع مرور الوقت سيقلّ عدد الأشخاص الذين على استعداد للقطف في الطبيعة. علاوة على ذلك، خوفًا من الإضرار بالتنوع البيولوجي وانقراض الأصناف المختلفة، تم سنّ قوانين تقيد أو تحظر القطف (كتحويل أنواع مختلفة إلى نباتات محمية أو الإعلان عن مناطق انتشارها كمحميات طبيعية).

“إذا قمنا بقطف نباتات منتشرة في الطبيعة وتربيتها بأساليب زراعية مكثفة، من المحتمل أن لا تصمد نسبة كبيرة منها لموسم أو موسمين من النمو على الرغم من كونها نباتات معمرة يمكن زراعتها لمدة خمس سنوات أو أكثر”

بروفيسور نتيف دودائي

لذلك لا مفرّ من تربية النباتات وتحويلها لمحاصيل زراعية. فمن أجل الحصول على محصول بالإنتاجية والجودة المطلوبة، يجب توفير ظروف مكثّفة ومنظّمة للسقاية، التسميد وعدد من عمليات الحصاد على مدار السنة. هذه ظروف غير متوفّرة للنباتات في الطبيعة. لذلك، إذا قمنا بقطف نباتات منتشرة في الطبيعة وتربيتها بأساليب زراعية مكثفة، من المحتمل أن لا تصمد نسبة كبيرة منها لموسم أو موسمين من النمو على الرغم من كونها نباتات معمرة يمكن زراعتها لمدة خمس سنوات أو أكثر.

إذًا، المرحلة الضرورية خلال التربية هي في الواقع عملية اختيار ظروف النمو لتربية النباتات. قد أجرينا هذه العملية مع أحد التوابل المشهورة في البلاد والمعروفة باسم “الزعتر” وهو الزعتر . يستخدم الاسم زعتر في اللغة العربية للدلالة على العشبة من ناحية وعلى خلطة التوابل المصنوعة منها من ناحية أخرى (أوراق الزعتر المجفّفة والمطحونة، ملح، سمسم محمّص، سمّاق وزيت زيتون). ما الغاية من تربية المردقوش السوري؟ لأنّه يفي بجميع المعايير: استخدامه تقليديّ وواسع النطاق، هو طعام له أهمّية وتنسب له خصائص صحية، يتم استعماله في الصناعة، يقطف في الطبيعة وهو نبات محمي.

زعتر. رسم:اوري كرول

بعد إجراء استطلاع في جميع مناطق انتشاره في إسرائيل، تم أخذ العقلات من كافّة الأصناف التمثيلية التي تم اختيارها وزُرعت في قسم التجارب في مركز أبحاث “نافي يعار” وبالتالي، عند تنميتها في ظروف موحدة، من الممكن تمييز الاختلاف الجيني في الخصائص المختلفة دون القلق من التأثيرات البيئية وتأثيرات التربة. يتم ذلك طبعًا في الظروف المكثّفة ذاتها كتلك التي ستتواجد مستقبلًا في الحقل التجاري. يتمّ انتقاء العديد من الخصائص، مثل الصمود طويل الأمد، إنتاجية المحاصيل، الوصف الخارجي، محتوى وتركيبة المواد الطبيعية كالزيوت الأساسية ومضادات الأكسدة، مقاومة الأمراض والآفات الزراعية وما شابه ذلك.

هذه هي المنصة المناسبة لمناقشة جودة التوابل التي نحصل عليها من النباتات البرية مقارنة بالنباتات التي نقوم بتربيتها. عادة هناك اعتقاد بأنّ النباتات البرية “ذات جودة أعلى” هذا ليس بالضرورة صحيحًا فحسب، بل قد يكون العكس تمامًا. في البرية هناك تنوّع كبير بين النباتات. في عملية الانتقاء هناك فرصة لاختيار أجود الأنواع ولذلك ستكون النتيجة النهائية بأيدي مربي النباتات. يجب أن يكون ملمّا باختيار النباتات المزروعة لتكون ذات جودة عالية، تتماشى مع ذوق المستهلك، تضاهي أو حتى تفوق تلك التي يتم قطفها في البرية. باستخدام هذه الطريقة تمًت تربية أصناف من المردقوش السوري، بعضها تمّت زراعتها وتسويقها والبعض الآخر لا يزال قيد التطوير. ولكن من ناحية المربي هناك “سقف زجاجي”. بما أننا قمنا باختيار النباتات التي تم قطفها من المجموعات البرية، فإن أقصى ما يمكننا الوصول إليه هو أفضل نبتة من بينها.

كيف نخترق هذا الحاجز؟ بواسطة آليات التهجين، المرحلة التالية في عملية التحسين الجيني التقليدي. إذا قمنا بتهجين النباتات التي نمت في جبل الشيخ مع تلك التي نمت في جنوب النقب، لدينا فرصة كبيرة للحصول على مجموعة من الخصائص غير الموجودة في الطبيعة، فعلى الأرجح هذه الفئات لم تتقابل بشكل طبيعي وكل منها تطور في منطقته لسنوات عديدة. باتّباع هذه الطريقة قد نزيد من التنوع البيولوجي الذي وكما ذكرنا له أهمية كبيرة في عملية التحسين الجيني التقليدي. إلى جانب مجموعة الخصائص الجديدة، لدينا فرصة للحصول على “قوّة الهجين”. قوّة الهجين (Heterosis) هي ظاهرة جينية يؤدي فيها تهجين الأنواع الجينية البعيدة إلى نمو سلالة مع خصائص محسّنة أكثر من تلك الخاصة بالوالدين. لذلك فإن الخطوة التالية هي تهجين جميع النباتات التي لدينا مع بعضها البعض وفحص النسل.

وبالفعل قد أسفرت عملية الانتقاء للنسل عن نمو أصناف ذات خصائص استثنائية، والتي اخترنا منها “الزعتر الخارق”. ولكنها ليست نهاية القصة. كيف نخترق السقف الزجاجي الآتي، ألا وهو نوع المردقوش السوري؟ ها قد جاءت اللحظة لنتحدّث عن التهجين المختلط.

التهجين المُباح

اتضح أنه في الطبيعة، في حالات معيّنة، يمكن التهجين بين الأنواع التي تنتمي للجنس ذاته وليس فقط بين النوع ذاته. هذه الظاهرة معروفة لمعظم الناس من مثال تهجين الحمار والفرس الناتج عنه البغل. هذا مثال ممتاز على “قوة الهجين”، لأن البغل حيوان قوي ومعمّر بشكل خاص. مثال من عالم النبات هو تهجين نوعين من اللافندر (يسمى الجنس بالعبرية “أزوفيون”)، والذي نتج عنه الهجين الشهير والمسمّى “لفندين”، هو شائع جدًا في العالم كمصدر للمواد العطرية؛ من زار حقول الخزامى في بروفانس، قد صادف هذا النوع على الأرجح.

تبعًا للموضوع ذاته، بعد قصة المريمية الطبية التي بدأنا بها الحديث، في مركز الأبحاث نافي يعار في سنوات الثمانين قام البروفيسور إيلي بوتيفسكي بتهجينها مع المريمية الثلاثيّة. المريمية الطبية من جبال الدولوميت، والتي تعتبر الأفضل في العالم، والمريمية الثلاثية إسرائيلية الأصل. النسل الذي نتج عن تهجينهم يشبه في الشكل والرائحة المريمية الطبية، لكنه قوي، محصوله مرتفع ومقاوم لظروف الشتاء كالمريمية الثلاثية. في الواقع، معظم نباتات “المريمية الطبية” اليوم في حقول وحدائق إسرائيل هي هذا الهجين الذي يطلق عليه “مريمية خط 4”. في زياراتي لمربي نباتات ومشاتل حول العالم، لاحظت بأنّهم يزرعون هذا الصنف أيضًا. كما في مثال البغل، هذه النباتات المهجنة غير خصبة ولا تنتج البذور. هذا نابع من الاختلاف في عدد الكروموزومات التي يحملها الوالدان.

لافندر-خزامى. رسم:اوري كرول

ومن هنا نعود للزعتر. منذ سنوات خطرت في بالي فكرة تهجينه مع الأوريجانو (Origanum vulgare) أوروبيّ الأصل. لماذا؟ في صناعة تربية التوابل الطازجة للتصدير في إسرائيل، يزرع المزارعون الأوريجانو ويقومون بتصديره. المشكلة الأساسية التي يواجهونها هي اسوداد الأوراق بعد الحصاد، في الصيف تحديدًا، مما يجعل المحصول غير صالح للتصدير. على ما يبدو المردقوش السوري يقاوم هذه الظاهرة. مذاقه ورائحته شبيهة بطعم الأوريجانو، ولكن نظرًا لاختلاف الشكل، فلا طلب عليه في أوروبا. ظننت أنه نظرًا لكونهم ينتمون من الناحية النباتية إلى الجنس ذاته، فإن التهجين بين الأنواع سينتج نباتًا مشابهًا للأوريجانو الذي لا يتحول إلى اللون الأسود بعد الحصاد.

بعد نجاحنا في الحصول على ست سلالات نتيجة التهجين، ذكّرتني النتيجة بالحكاية المعروفة المنسوبة إلى برنارد شو والراقصة إيسيدورا دنكان حين قالت: “ألن يكون رائعا إن أنجبنا طفلًا يتمتع بحكمتك وبجسد جميل كجسدي؟” أجابها حينها: “ماذا لو تمتّع بجسدي وبحكمتك؟” بالفعل وكما تفهمون، السلالات الستة التي تمّ تهجينها تحايلت على شكلها من الزعتر إلا أنّها أصبحت سوداء بعد الحصاد كالأوريجانو.

ما العمل الآن؟ عادة نواصل التهجين إلى ان نحصل على التركيبة المناسبة. الطريقة المتّبعة في هذه الحالة هي “التلقيح الذاتي” للهجين (تلقيح بيض زهرة نبات معين مع مئبر النبات ذاته)، والذي ينتج عنه نسل به مجموعة كبيرة ومتنوعة من التركيبات في خصائصها، إذ يمكن اختيار الأنواع المرغوبة ومواصلة العمل فيها. ولكن في هذه الحالة التهجين في إطار الجنس ذاته، والذي تكون نتيجته عادة سلالة عقيمة.

لحسن حظنا وبشكل مفاجئ، لم تكن السلالة عقيمة ونتجت مجموعة كبيرة من النباتات التي لم نرها سابقًا. بعضها تبدو كالأوريجانو الذي لا يتحوّل إلى اللون الأسود أو كالزعتر مع محاصيل ضخمة. بما أنّ التهجين هو بين الأوريجانو من نوع “أزوفيت” والزعتر من نوع “أزوف متسوي” فأطلقنا على السلالة اسم ” أزوفزوفيت”.

رسم:اوري كرول

وفي الختام، نعود إلى العنوان نقلاً عن كلمات الحاخام نحمان الشهيرة عن الأعشاب والراعي: “لكل عشبة وعشبة أغنيتها الخاصّة”، والتي يمكن فهمها أنه على الرغم من أننا نرى جميع الأعشاب متشابهة إلا أن هناك اختلافات بينهما. لكنه يضيف “ومع اللحن نرتقي، لأن اللحن هو استجلاء الروح […] وهذا جوهر اللحن – أن يقطف وينتقي فالروح جيدة..” أي أن الراعي يستطيع بحكمته ومعرفته أن ينتقي الأعشاب ويستخدمها بشكل صحيح وفقًا لخصائصها الفريدة.

وفي الوقت ذاته، يتطرّق أيضًا إلى الاختلاف بين الرعاة: “واعلم أنّ لكل راعٍ ناي يعزف عليه نغمة مختلفة حسب المرعى الذي يتواجد فيه، وحسب سبب تواجده هناك”. لقد قيل في الماضي إنّ التحسين الجيني التقليدي لتطوير السلالات ليس علمًا فحسب، بل هو أيضًا فنًا (Art) يعتمد على الأدوات العلمية ويتطلب الإبداع، لأنه إذا تم إعطاء اثنين من المربيين المجموعة النباتية والأهداف ذاتها، فمن المحتمل أن نحصل على إبداع مختلف من كلّ واحد.

وصفات مع اعشاب من مطبخ اسيف