Slice of truffle
Photo by Dor Kedmi

بالطورية والمجهر: هل فطر الكمأة من هضبة الجولان في طريقه للسيطرة على العالم؟

أدركت الشركة الناشئة الإسرائيليّة “إلسار” إحدى أهم مزايا الزراعة الإسرائيلية مقارنة ببقيّة دول العالم وليتجرأ الآن أحد على إيقافها.

ميخال لفيت |

مرّت ساعة لا غير منذ أن عثرنا على حبتيّ الكمأة السوداوين في التربة إلى أن ملأت أطباقنا برائحتها الاستثنائية. بينما تقوم إحداهن ببرش حبّة الكمأة فوق باستا غنية بصفار البيض، مفرودة في مقلاة ساخنة مع الزبدة المكرملة؛ في الجهة الثانية من المائدة برشت حبّة أخرى فوق بيضة مخفوقة وأشبعتها بالنكهات

Photo by Matan Choufan

قد عثرنا على الكمأة ذات الرائحة الترابية في غابة رطبة كالتي في الأساطير، في مزرعة لأشجار البلوط. إلا أنّ أشجار البلوط التي اكتست بخليط من اللون البرتقالي والأصفر، تكريمًا لموسم الفطر الذي يبدأ فترة الخريف وينتهي في الشتاء، لم تنمُ في تلال بيمونتي الإيطالية ولا حتّى في أراضي أومبريا أو بيريغورد الفرنسية. بل امتدّت جذورها على التربة البركانية والبازلتية في هضبة الجولان. هناك، على بعد كيلومترات معدودة من مختبرات ومكاتب شركة “إلسار”، يزرع أفرادها – شلّة مرحة تهوى الزراعة، النبيذ، الطعام الجيد، الكلاب والبشر – الكمأة السوداء التي تحمل معها للمطبخ الإسرائيليّ بشائر عدّة، مع علامات استفهام ليست بالقليلة فيما يتعلّق بالزراعة، التكنولوجيا الزراعية والمحليّة 

“من الناحية التكنولوجيّة، يأتي دورنا عند الاتّحاد المقدّس بين شتلة بلوط قاعدتها جذرية وخلية/بوغ من فطر الكمأة”، يخبرنا مدير ومؤسّس الشركة، نمرود تابنكين. “كالإخصاب الخارجيّ نوعًا ما، نقوم بتوفير ظروف مثلى ليتمّ الاتّحاد ونعيدهم داخل الجسم.

“إلسار” هي شركة إسرائيلية متخصّصة في تكنولوجيا الأغذية، تمّ تأسيسها عام 2011 على يد تابنكين، يوئيل جفعول، الذي يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة، وتل مونتسش المدير التكنولوجيّ. قاموا معًا بتطوير تقنية تساعد في زراعة الكمأة الفرنسية السوداء على أراضي هضبة الجولان. لفهم النهج التكنولوجيّ التي تتبّعه “إلسار”، علينا الرجوع بضع خطوات إلى الوراء والإطّلاع على العملية الطبيعية والمذهلة للعلاقة التبادلية (التكافل) بين الفطريات وبيئتها. مملكة الفطريات هي مملكة هائلة، حيث تنتمي غالبيتها لعائلة الفطريات الرمّية، أي التي تقوم بهضم المواد الحيوية وإعادة استعمالها ممّا يساهم في توفير تربة خصبة للنباتات. تنتمي الكمأة (genus Tuber) لعائلة الفطريات الجذرية – Mycorrhiza (Myco تعني فطر، rrhiza تعني جذور). يبني هذا النوع من الفطريات علاقة تبادلية مع النباتات – إذ تستعمر الفطريات جذور النبات وتحيطها، وبالتالي تساعد على امتصاص عناصر غذائية من التربة وعلى رأسها المعادن التي بدورها تصبح متاحة لجذور النبتة، الفوسفور تحديدًا والذي يتواجد بنقص في العالم. بالنسبة للكمأة فالنبتة هي شجرة البلوط، عندما تستقرّ على جذورها تقوم بتغليفها بطبقة واقية تجعلها أكثر سمكًا، وبمساعدة الأفطورة (الجزء الذي يتكوّن من الخيوط ويقوم بامتصاص المعادن الضرورية لنمو النبتة) يمكن للشجرة أن تتغذّى.

“في التعايش الحقيقيّ، كما هو الحال في العلاقة الزوجية أو في عالم الأعمال، على كلا الطرفين الانتفاع من العلاقة، ويجب تلبية احتياجات الطرفين”، يعلّق تابنكين وهو يشرح بدقّة متناهية عن شجرة البلوط، والتي تزوّد في المقابل للفطريات المختبئة من الشمس السكريّات التي تحتاجها، ويتابع: “المرحلة التالية هي مبتغى كلّ مخلوق عضويّ في الطبيعة – التكاثر، التكيّف وتحسين النسل. تحقّق الكمأة هذا من خلال أكثر من 300 رائحة فريدة وقويّة والتي قامت بتطويرها على مدار ملايين السنين من عملية التطوّر. في فترة الشتاء، حين تكون التربة متجمّدة في أرض موحلة، تنبعث من التربة الروائح الفريدة ذاتها وتصل لأنف خنزير برّي يبعد حتى 10 كيلومترات عن الكمأة. تدفع هذه الروائح الخنزير إلى الهيجان، إذ أنها تُثير المناطق المرتبطة بالهرمونات الجنسية. قد يفعل المستحيل كي يصل إلى الكمأة – وعندما ينجح سيحفر ويأكلها. تساهم الحموضة في الجهاز الهضميّ للخنزير في تحليل الكمأة لخلايا/أبواغ والتي تمرّ فيما بعد بعملية إنضاج. من ثمّ سيُخرج الأبواغ الناضجة بعد أن تمّ هضمها في زاوية أخرى من الغابة، واذا كانت الكمأة محظوظة سيلتقي بوغ بجذور شجرة يعرف كيفية التكافل معها، كشجرة البلوط أو أشجار أخرى من الفصيلة الزانية، وهكذا يتمّ إنشاء مستعمرة كمأ جديدة”.

Photo by Matan Choufan

إذًا ما هي الإشكالية التي تعمل “إلسار” على حلّها؟

“تُعتبر عملية التكافل هذه معقّدة جدًا، لدرجة أنّها قد لا تحدث في الطبيعة. وليس فقط في اوروبا – الموطن الطبيعي للكمأة الفرنسية السوداء، هذه العملية لا تحدث تقريبًا ولم يتمّ تخصيص مساحات جديدة، بل هناك تقلّص بالمساحات الموجودة حاليًا بسبب الانخفاض الحادّ في عدد الخنازير البريّة، أشجار البلّوط، وطبعا بسبب التمدّن والزراعة الصناعية”. وفعليًا، في صناعة الكمأة يحذّرون منذ سنوات من أنّ الاحتباس الحراريّ سيقلّل بشكل ملحوظ من توفّر الكمأة والطلب سيفوق العرض. “لا يقتصر الأمر على تقليص المساحات فحسب – ففي أراض عديدة تتواجد بها الكمأة، تستولي الفطريات الأخرى على المنطقة، من بينها فطريات جذرية محليّة أكثر قوّة ولا تستعمل في المطبخ وفطريات استوردت من الشرق إلى أوروبا كفطريات كمأة مزيّفة وغيّرت التوازن البيولوجيّ”. يتحدّث تابنكين عن الكمأة بحبّ وينعتها بالنبيلة والناعمةـ حيث يسهل السيطرة على المناطق المخصّصة لها. “هناك أدلّة على استخراج 200 طن من فطر الكمأة السوداء في منطقة بريغورد الفرنسية قبيل 200 عام. أمّا في السنة الماضية فالحديث عن قرابة الـ25 طنًا من كلّ مناطق فرنسا. والطلب في ازدياد مستمر”. 

لنعود للتكنولوجيا

“مثلما نأخذ خلية منوية وبويضة لا يمكن إخصابهن بعملية طبيعية، ونوفّر لهم ظروفًا مثلى ليتمّ الإخصاب ونقوم بإرجاعهم للرحم دون أيّ تعديلات جينيّة – هذه آلية عملنا تمامًا”. نبدأ في “إلسار” بشتلات شجر البلّوط، حيث نخلق لها باستخدام وسائل تكنولوجية قاعدة جذريّة وحاجة فائقة للمعادن. في المرحلة التي تتوق فيها الشتلات حقًا إلى المعادن وتمتدّ جذورها بالشكل السليم، ممّا يمكّنها من الاتّصال بالفطريات الجذريّة، يتمّ إلصاق الأبواغ التي خضعت لعملية كيميائية – تكنولوجية تشبه عملية الإنضاج التي تحدث في الجهاز الهضميّ للخنزير. يتمّ ذلك عن طريق زراعة الشتلة في التربة وتزويدها بكميّة المعادن اللازمة، الفوسفور تحديدًا، مع الأبواغ. “في هذه المرحلة، فيما لو قرّرت الكمأة أن تعمل لصالح الشجرة، أي أن تحللّ المعادن وتنقلها للجذور، وبدأت الشجرة بتزويد الكمأة بالسكريّات – حينها سيشكّلان ثنائيًا. وكأيّ ثنائيّ جديد، نرسلهم لشهر العسل. يقصد تابينكن إرسال الثنائيّ الجديد إلى بيئة معقّمة. “خالية من أنواع فطريات أخرى، أشجار، مغريات، حيث يمكننا التحكّم بشكل كامل بنسبة الرطوبة، درجة الحرارة والضوء. في هذه البيئة نمنحهم مدّة عام للاستثمار في علاقتهم”. خلال هذا العام تكبر الجذور، تغلّفها الكمأة ويتعزّز التكافل بينهما. في هذه المرحلة يتمّ إرسال عيّنة من الجذور لفحص الحمض النووي (DNA) بهدف التأكّد من جودة الفطر وفصيلته (كاختبار الأبوّة). والآن قد حان الوقت لزراعة الشجيرة المليئة بالأبواغ في التربة، والانتظار إلى أن تنضج الأفطورة وتتكاثر من خلال تكوين ثمرتها، أي حبّة الفطر، التي تبعث بروائح قويّة من فوق التربة. نحن نميّز رائحتها ونعثر عليها بمساعدة كلاب بارعة وفريق من المتدرّبين”.

“إلسار” ليست سبّاقة في محاولة زراعة الكمأ في البلاد، إلا أنّها الأولى دون شك التي تحظى بمثل هذا النجاح، على الأقلّ بين أوساط الطهاة والمطاعم في إسرائيل. في جنوب البلاد هناك محاولات لزراعة كمأة الصحراء، التي تنمو بتكافل مع نبتة صحراوية تُدعى “الرقروق”، وفي كيبوتس برعم وبالتعاون مع جامعة بئر السبع ومركز فولكاني، تتمّ زراعة الكمأة الصيفية والتي تُعتبر قليلة القيمة في عالم الطهي.

بين عشيّة وضحاها يقرّر إنسان زراعة الكمأة السوداء على تربة بركانية؟

“العمل كمزارع في إسرائيل يتحوّل لمهمّة معقّدة أكثر وأكثر. كلّما اتجه السوق نحو العالمية، كلّما قلّت الرسومات الجمركية، وانخفضت الحماية على المزارعين وبالتالي يصبح السوق معتمدًا على التكلفة: أي الاعتماد هو على السعر المتداول في السوق. تكاليف الأيدي العاملة والمياه في إسرائيل تزيد من تكلفة الإنتاج كثيرًا، لهذا عندما بدأنا المشروع قبل 12 عامًا، بحثنا عن ميزتنا النسبية كمزارعين إسرائيليين، وأدركنا أنها تكمن في الأبحاث. وبهذا الخصوص قرأ يوئيل جفعون، شريكي في تأسيس الشركة، كتابًا لباحث يدعى دكتور أيان هول كان قد نجح في زراعة الكمأة السوداء الفرنسية خارج أوروبا في نطاق بحث قد أجراه. قام بذلك على تربة بركانية في نيوزيلندا، وهي تشبه إلى حدّ كبير تلك التي في هضبة الجولان. أثار بحث الدكتور هول الخيال، فخضنا سيرورة طويلة نجحنا في نهايتها الحصول على الموافقة لاستخدام أبحاثه، ومن بعدها أجرينا أبحاثًا إلى أن وصلنا إلى هذه النقطة”. 

تابنكين، الذي وُلد وترعرع في عين زيفان، يضيف بأنه منذ 40 عامًا وأكثر عندما وصل والداي إلى هضبة الجولان لم تكن هناك أشجار مثمرة. اليوم هناك آلاف الدونمات من الأشجار متجدّدة الأوراق. قبل 35 عامًا لم يكن هناك كروم لصنع النبيذ. اليوم يوجد أكثر من 40 مصنعًا للنبيذ. أعتقد أنّه إذا واصلنا مسيرتنا المهنية، فإن صناعة الكمأة قد تحدث تغييرًا في هضبة الجولان.

هل التربة البركانية في هضبة الجولان مناسبة لزراعة الكمأة السوداء؟

“تحتاج الكمأة السوداء الفرنسية لتربة ذات مستوى قاعدية عال (أي نسبة pH عالية)، كتلك التي في بريغورد الفرنسية وفي مناطق أخرى من أوروبا وإسرائيل – الجليل الأعلى وجبال القدس، التربة هناك كلسية ودرجة القاعدية فيها مرتفعة. في مثل هذه التربة، هناك صعوبة في امتصاص المعادن منها – وهذا شرط أساسيّ ليتمّ التكافل/التعايش. المعالجة التي نجريها لتربة الجولان، تربة بركانية غنية بالمعادن وذات مستوى قاعدية منخفض، كالتربة التي تخضع للأبحاث في نيوزيلندا – هي رفع مستوى ال-pH دفعة واحدة. من خلال عملية تدعى تكليس (Liming)، أي إضافة الجير للتربة فتصبح كالجنّة لفطريات الكمأة. نظرًا لعدم وجود سيرورة تطوّرية طيلة ملايين الأعوام من المنافسة واصطفاء فطر الكمأة في تربة هضبة الجولان، فإن زراعتنا نظيفة وخالية من الشوائب، مما يزيد من فرصنا في الحفاظ على زراعة الكمأة السوداء الفرنسية المعروفة. إذًا تمّ خلق ظروف مثلى لزراعة الكمـأة – لكن دون الأعداء الطبيعيين، وبالتالي بينما تتقلّص أراضي زراعة الكمأة في أوروبا، هي آخذة في الازدياد عندنا”.

أحد المواضيع الأكثر أهمية في “إلسار” هي التكنولوجيا والإلمام بمكوّنات التربة. هل يمكن تقليد هذه التكنولوجيا في أماكن أخرى من العالم – تربة مختلفة كتربة رمليّة أو صحراوية؟

“أحد أكثر التعقيدات التكنولوجية لدينا هو خلق التكافل بين الكمأة والشجرة المضيفة، فيتمّ استثمار معظم رأس المال في إنتاج الشتلات، إذ تكون معايير الجودة التي قمنا بتحديدها من أكثر المعايير صرامة في العالم، ولا ينتقل سوى الشتلات المتميزة إلى المرحلة التالية لتدخل التربة. بالرغم من كل ذلك، نحن على قناعة أن وضع الكمأة جيّد في هضبة الجولان، والمخطّط هو أن نبقى هنا. ولكن نعم، هناك إمكانية كبيرة لنقل كلّ من المعرفة، التقنيات، الأبحاث والخبرة وتكرير المشروع في بقعة أخرى من العالم “. 

كجزء من نظرة “إلسار” الشموليّة للعالم، والتي تعتبر هضبة الجولان مركز عملها، قامت الشركة بتعزيز التعاون مع المزارعين المحليّين. ينصّ قانون الاستيطان في دولة إسرائيل على أنّه لا يمكن بيع أو تأجير الأراضي الزراعية التي تتولّاها جهات زراعية (في المستوطنات والكيبوتسات تحديدًا)، يمكن فقط إنشاء تعاون بين سكان المنطقة ذاتها والشركاء يعملون بشكل متساو. “نحن شركة خاصّة، فلا يمكننا أن نمتلك المزارع، لذلك قمنا بتطوير طريقة عمل تعتمد على خلق تعاون مع كافّة ملّاكي الأراضي تقريبًا في شمال هضبة الجولان: نحن نزوّدهم بالشتلات والمعرفة وهم في المقابل يمنحوننا الأرض، الماء والعمل، ونتقاسم ثمار عملنا”.

تكافل مع مزارعي الجولان؟

“تمامًا. هذه الطريقة صحيحة من ناحية مهنية أيضا، يمكن النظر إليه كمشروع جماهيريّ يشارك فيه مزارعون ذوي خبرة بالأشجار متجدّدة الأوراق وكروم العنب. نحن نعرض عليهم ما يزيد من سلّة محاصيلهم وبالتالي تتوزّع المخاطر الكامنة في مجال الزراعة. نحن فخورون بذلك ونهتم بالحفاظ على مصلحتهم وجدواهم الاقتصادية كجزء لا يتجزأ من خطّة عملنا”.

إذًا فهمنا ما هو حل المشكلةّ الذي تسعون إليه. والآن يُطرح السؤال – ما هي المشكلة التي قد تتسبّب جرّاء فكرتكم؟ شركة “إلف فارمز” على سبيل المثال، المختصة في إنتاج اللحوم المصنّعة، أقامت قسمًا للاستدامة وهدفه الوحيد هو حلّ المشكلات التي قد تخلق من استعمال التكنولوجيا الخاصّة بهم.

“مع أنّنا لا نزرع الكمأ لميزات بيئيّة إلّا أن مزارعها تُعتبر كنزًا للبيئة. تشكّل الفطريات الجذرية المتواجدة على الجذور كتلة كبيرة، وهي في حدّ ذاتها واحدة من مثبتات الكربون الأكثر نجاعة في الطبيعة. الفطريات هذه تحيي التربة، والعملية التي نقوم بها طبيعية فلهذا لا أتوقّع وجود مشاكل بل على العكس. 

Photo by Dor Kedmi

نحن لا نعرف سوى القليل عن الفطر. ألا تخاف من احتمال وجود نوع لا ينبغي أن يتواجد في هذه التربة؟ 

” أنا أفهم السؤال وأعتقد أنه من الصواب توجيهه. أنت تخلق تغييرًا، فلتحاول أن تفهم كيف ستتسلسل الأمور. حتى هذه اللحظة، لا نرى مخاطر جديّة – باستثناء عدم نجاحنا طبعًا”.

من هو الجمهور المستهدف؟

“جمهور المستهلكين للكمأة من غير المناطق التي تُزرع فيها هو قطاع المطاعم، فقد لحظنا أنّ عشاق المطاعم في تزايد جرّاء الكورونا، ويعود ذلك إلى توفّر المواد عالية الجودة ومنتجات قيّمة من جميع أنحاء العالم، وإمكانية توصية كلّ ما طاب لنا حتّى البيت.  هذا من شأنه أن يزيد سوق المستهلكين بشكل كبير، ومع أنّ السيرورة لا زالت في بدايتها إلا أنّ أطرافًا مهمّة تدخل إلى الصورة. حاليًا نحن مستمتعون ومتحمّسون للعمل في البلاد، مع رؤية للمدى البعيد، جمهور المستهلكين الأساسي هو خارج البلاد.

إذًا عملكم لا يقتصر فقط على تطوير التكنولوجيا بل أيضًا على جمع المعطيات (Data) في كلّ من المراحل، كتسجيل مكان وجود الكمأة بمساعدة الكلاب في كلّ موسم.

“نحن ننظر إلى عملنا كبحث بكلّ معنى الكلمة، لهذا أقول دائما بأنّنا نخرج إلى مزارع البلّوط مع الطورية والمجهر. اليوم حين أصادف حبّة فطر في الأرض، يمكنني أن أحدّد أيّ شجرة بلوط استضافتها، لأيّ فصيلة تنتمي، من أين حصلنا عليها، من أين أتت البوغ وحبّة الفطر، وما هي سيرورة العلاج التي مرّت بها وما إلى ذلك. الميزات هائلة. على الصعيد العلميّ، يمكننا التعامل مع بيانات ضخمة بهدف التعلّم. الميزة الثانية هي تسويقية، ففي سوق مليء بالتزييفات أتقن كيفية منح شهادة جودة وقابلية تتبّع (Traceability) كاملة. يهتمّ مستهلكو العصر بمعرفة مصدر الطعام في أطباقهم، من يقف وراءه وما هي الدوافع – ونحن نطبّق تمامًا طريقة من الحقل إلى الطبق أو يصحّ القول – من الكلاب إلى الطبق (Dogs to Table).

في إيطاليا يطلقون على اللحوم المصنّعة اسم ” لحوم فرانكنشتاين”، وفي الوقت ذاته هناك انطباع بأن الجمهور الإسرائيليّ يحضن الابتكار والتكنولوجيا الغذائية. كيف هو الإقبال على الكمأة السوداء الفرنسية من هضبة الجولان، في العالم ككلّ وفي إسرائيل؟ 

“أولًا يهمّني التنويه بأنّ اعتبار المنتج كمنتج تكنولوجي هو بسيط لأننا لا نُحدث أيّ تعديلات جينيةّ، بل إخصابًا مختبريا نوعًا ما، وبالتالي الحديث عن منتج طبيعيّ للغاية. ثانيًا، يواجه السوق الأوروبيّ في العقود الأخيرة الكثير من التزييفات في سوق الكمأ، فهناك انفتاح حقًا. في هذه الأيام تحديدًا نقوم بحملات للبيع في فرنسا ونحن سعداء بتسميتها “ثلج للإسكيمو”، نبيع كمأة سوداء فرنسية من هضبة الجولان، لشبكة أطعمة فاخرة ومتحمّسة كثيرا لشراء الكمأة الخاصّة بنا. 

وفي إسرائيل؟

“في بلادنا تحديدًا درجة الشكّية عالية. يتعجّب الناس ويعتقدون أنّ الكمأة الإسرائيلية لن تنمو بجودة عالية. زد على ذلك كونها ليست جزءًا من الثقافة المحلية، فإن غالبية السكان في إسرائيل لا يعرفون حقًا كيف يتذوقون الكمأ، وتعتمد معرفتهم على لمحة من مذاق ورائحة جزيئات زيت الكمأة، والتي إما يتم إنتاجها من الملفوف أو الأرضي-شوكي في أحسن حالة، وفي أسوأ الحالات – يتمّ تصنيعها في المختبر. الكمأة ليست غذاء، وليست من التوابل أيضا – هي ثقافة كاملة نكتشف عنها شيئًا جديدًا كلّ يوم. يسعدنا أن نعرف أنّ الطهاة وعشاق الطعام المحليين باستطاعتهن العمل مع الكمأة المحلية”. 

Photo by Dor Kedmi

روائح الكمأة في أوروبا تُحفظ حتى 10 أيام منذ لحظة إخراجها من التربة، ما هي المدّة لكمأة هضبة الجولان؟

“المدّة ذاتها تقريبًا، ولكن هناك تقنيات للحفاظ على الروائح. الشيف موشيك روط علّمنا كيفية صنع هريس ومخفوقات من الكمأة كي تُحفظ الروائح. في مقهى “مترلو” في كيبوتس عين زيفان الواقع في هضبة الجولان يقدّمون زبدة الكمأة التي تحفظ النكهات والروائح. من الممكن بالطبع برش الكمأة الطازجة فوق بيضة مخفوقة، باستا أو تحضير سلطة البطاطا مع صلصة أيولي الكمأة. أعتقد بأن ما يميّز الشعب الإسرائيليّ هو عدم الالتزام بالتقاليد – ولدي فضول لمعرفة ما سيحدث في ثقافة الكمأة في إسرائيل”. 

هل الكمأة البيضاء من بيمونتي في الأفق أيضا؟“هل نكشف الأمر؟” يسأل تابنكن بتردّد. “سأكتفي بالقول بأننا في المراحل البحثية الأولى لتلقيح الكمأة البيضاء . على عكس الكمأة السوداء الفرنسية، لم تتم زراعة الكمأة البيضاء من منطقة بيمونتي من ألبا خارج منطقتها. نحن نرى نتائج جيدة ولكن من المبكّر أن نتحدّث عن النجاح.