Small stuffed pancakes folded into half moons on a baking tray

رمضان

اهم فترة في السنة بالنسبة للمسلمين, فترة غنية روحيا واجتماعيا, اضافة الى الغنى بالماكولات والحلويات

مزنه بشاره |

يعدّ رمضان بالنسبة للمسلمين في شتى أنحاء العالم، أهم فترة في العام؛ فيه تقرّب داخليّ، عائليّ ومجمعيّ، أيّام كلّها نقاء وطهارة، وإحساس بمعاناة الآخر لماذا؟ رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الإسلاميّ، وفيه بدأت الدعوة الإسلاميّة، عندما أمر الملاك جبريل، في إحدى الليالي، النبي محمّد “اقرأ باسم ربّك الّذي خلق” (القرآن، سورة 96، العلق)، وهي الجملة التي أصبحت بمثابة الآية الأولى في القرآن الكريم.

يوميّا، خلال شهر رمضان، ومنذ بزوغ الفجر حتى الغروب، علينا أن نمتنع عن ملذات الدنيا كالأكل والشراب، التدخين والمعاشرة، والإكثار من الصدقات، الإنفاق للغير والمجتمع، الكفّ عن النميمة والشتائم، صلة الرحم، وتفقد الأقارب والاهتمام بتأمين ما يحتاجونه طيلة الشهر الفضيل.

الأعياد والمناسبات الإسلاميّة، تحدّد حسب التقويم الهجريّ، والذي بدأ مع هجرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، من مكة إلى المدينة، قبل 1443 عاما. يعتمد التقويم الهجريّ على ولادة القمر، تمام مثل التقويم العبريّ، ولكن يختلف عنه بعدم وجود السنة الكبيسة. ونتيجة لذلك، فإنّ التقويم الإسلاميّ أقلّ ب 11 يوما من السنة الفلكيّة، وعليه تتوزّع الأعياد والمناسبات على أشهر السنة والفصول. وهكذا يتقدّم رمضان عشرة أيام تقريبا سنويا عن السنة السابقة. ولأنّ التقويم السنويّ يُحدّد حسب ولادة القمر، فإنّ المواعيد الدقيقة لبداية شهر الصيام وانقضائه تحدّدان فقط مع اقتراب بداية الشهر، بعد رؤية رجال الدين لهلال رمضان بأعينهم، عملا بسُنّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

تسيطر أجواء رمضان على الحيّز العام قبل  من بداية الصوم، يتمّ إنارة الشوارع والمساجد، وتمتلئ الأسواق بالموادّ الأساسيّة الطازجة، التي تغري الكثير من المتسوّقين. تبدأ الاستعدادات في البيوت مع شراء الجوز، البهارات والفواكه المجفّفة (التمور وشرائح المشمش “قمر الدين”، بصفة خاصة)، والحلاوة الّتي تعتبر من الموادّ الأساسيّة والواجبة في هذا الشهر، إضافة إلى تحضير أصناف الطعام المنوّعة، شراء أطباق وأواني للمائدة، ومعدات جديدة للمطبخ، والقيام بحملة تنظيف شاملة، وحتى ترميم البيت ربما. تلاحظ حالة من الإثارة والحماس على شبكة الإنترنت كذلك، حيث تعرض كافة المواقع وصفات خاصة برمضان، قوائم وجبات تهدف إلى التخفيف من الحيرة التي تواجه النساء، “ماذا نطبخ اليوم”، إضافة إلى نصائح تهدف إلى اتمام صوم رمضان بسهولة ودون مشقّة.    

السحور:

كنّا نستيقظ في طفولتي، على إيقاع طبول المسحراتي (وهو التقليد الذي اختفى من البلاد منذ سنوات ال -90)، الذي تجوّل في الأحياء، وأيقظ المدينة قبل يزوغ الفجر لتناول وجبة السحور، التي تهيئ الجسم للصوم. اتذكر الكثير من ليالي رمضان، حيث كنّا نحن الاحفاد جميعا، ننام على الشرفة في بيت جديّ وجدتي، وكانت عمّاتنا الصغيرات يحرصن على ايقاظنا لسماع المسحراتي، ومشاهدة الأولاد الذين استيقظوا هم كذلك، لسماع المسحراتي، ورافقوه في جولة في شوارع الحيّ ستبقى وجبة السحور في عائلتي، واحدة من أشهى ذكريات الطفولة، حيث كان يبقى أبي مستيقظا طيلة الليل، يصليّ ويقرأ الكتب، حتى إذا بقيت ساعة واحدة على بداية السحور، كان يعِدّ لنا وجبة متنوّعة وشهيّة، والتي احتوت على : اللبنة وأنواع مختلفة من الأجبان، زيت الزيتون، الجبن، الخضراوات، أفوكادو، الزبدة، المربى، الحلاوة، العسل والشاي الساخن بالنعناع. في أيام الشتاء، كانت رائحة الأرغفة المحمّصة على موقد التدفئة، توقظنا جميعا وتدفعنا، ونحن شبه نيام، نحو المائدة.

مناقيش زعتر مع تين مشوي. تصوير متان شوفان
مناقيش زعتر مع تين مشوي. تصوير متان شوفان

يبدأ يوم الصيام مع نداء المؤذّن بالتوقّف عن الطعام والشراب، وعندها تقام صلاة الفجر، حيث يعود الناس بعدها للنوم حتى الصباح غالبا. نعتاد الصيام بسرعة عادة، خلال يومين غالبا، عندما تختفي الحاجة للقهوة والسجائر.

الافطار:

يمتدّ الصيام من بزوغ الفجر حتى غروب الشمس، عندما يحلّ رمضان في فصل الشتاء، يكون يوم الصوم قصيرا 11 ساعة تقريبا، وبالمقابل يكون يوم الصوم طويلا جدا، عندما يحلّ رمضان في فصل الصيف، حيث يمتدّ حتى 15 ساعة تقريبا.

تبدأ التحضيرات لوجبة الإفطار التي تنهي يوم الصيام، في ساعات ما بعد العصر، تبدأ حالة من الإثارة والانتظار، نحو ساعة قبيل الأذان. وينشط في هذه الفترة تحديدا، الأولاد والرجال، حيث يبدؤون بتحضير عصائر الليمون الطبيعيّة، التمر الهنديّ، أو عصير المشمش، يشترون الخبز الطازج، الحمص والفلافل ويعدّون المائدة. تتغير المائدة وتتنوّع، طيلة الشهر الفضيل، وفقا لرغبة أفراد العائلة، وحضور الضيوف والأصدقاء، لكن ثمّة اعتبارات أساسيّة، ووجبات لا غنى عنها.

طبق من التمور يجب أن يكون حاضرا على المائدة، طيلة شهر رمضان، عملا بسنة النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، بأنّ أوّل ما يدخل الفم عند الإفطار هو التمر. تحظى التمور بمكانة خاصة في الثقافة الإسلاميّة، وتعتبر كأنّها هبة من الخالق، وجبة دسمة فيها شفاء للبدن والروح. “بيت لا تمر فيه جياع أهله”، هو حديث مشهور للنبيّ محمّد، ونحن بدورنا، الحريصين دوما على اتّباع سنة النبيّ، نفتتح وجبتنا بحبة من التمر حلو المذاق.

يُقدّم للإفطار كذلك، حساء من العدس أو الخضراوات، الذي يهيئ المعدة لاستقبال الطعام. وهناك وجبة واحدة على الأقلّ تحتوي على اللحم والكربوهيدرات، وتقدّم أصناف متنوّعة من السلطات، المخلّلات والمواد الغذائية للتدهين. يعدّ الفلافل إضافة ثابتة على العديد من الموائد الرمضانيّة، وأحيانا يُستبدل بالكبّة أو السمبوسك.

سمبوسك. تصوير جيني زارينز
سمبوسك. تصوير جيني زارينز

تقوم نساء البيت غالبا، بإعداد كافة التحضيرات لوجبة الإفطار، بعد عودتهن من عملهن. والتحدّي الأكبر بأنهنّ يطهين كلّ شيء دون تذوّق، والمفاجئ في الأمر أنّ الوجبة تكون بنكهة شهية ونسب دقيقة جدا من البهارات. كان من النادر، مرة، أن تجلس عائلة وحيدة على مائدة الإفطار، فكانت العائلات تنضمّ لمائدة عائلة أخرى، قبل الأذان بساعة، بينما يتناول معظم الأجداد والجدّات الإفطار عند الأولاد. واحدة من علامات رمضان في طفولتي، كانت انتقال جدتي فاطمة لأمي التي كانت تعيش وحيدة، للعيش عندنا طيلة شهر رمضان، وانضمام أعمامي وأولادهم، لمائدتنا بشكل دائم.

لا شكّ أن الأمور تغيّرت اليوم، ولا يمتلك الناس الوقت الكافي ولا الإمكانيات لاستضافة كميات كبيرة من الضيوف، ولكن لا تزال هناك وجبات جماعيّة تُقام في نهاية كلّ أبوع من شهر رمضان. فأنا، على سبيل المثال، أدعو أقاربي جميعا، 60 شخصا تقريبا، في نهاية الأسبوع الأوّل من شهر رمضان الكريم، وفي بقية نهايات الأسبوع أكون مدعوّة عند كلّ من دعوتهم سابقا. وليس هناك ما هو أفضل للمرأة التي تعدّ الطعام في رمضان، من أن تكون مدعوّة، وتستريح من التحضيرات والطهي، خاصة عندما نعتاد استقبال الضيوف، فمن الصعب أن نكون مبدعين دوما، ونحضّر وجبات جديدة ومفاجئة.

بعد الإفطار تعجّ الشوارع بالمصلين المتجهين للمساجد لأداء صلاة التراويح، وهي صلاة طويلة وخاصة بشهر رمضان، وتقرأ خلالها آيات كثيرة من القرآن الكريم.

إحدى السُّنن الجميلة في رمضان هي صلة الرحم، واجب الرجل من زيارة وتقديم موادّ غذائيّة (اليوم يقدّمون الهدايا والأموال) للنساء التي تربطه بهن صلة رحم (الأمّ، البنات، الأخوات وبنات الأخت)، بحيث يقوم الكثيرون بزيارة أو استضافة الأقرباء وأفراد العائلة حتى ساعات الليل المتأخرة، تقدّم في هذه الزيارات الحلوى، الفاكهة والمكسرات، لكنّها لا تضمّ الطعام، لأنّها تكون بعد وجبة الإفطار.

حلويات رمضان

تحتلّ الحلوى جزءا كبيرا من عادات الطعام في رمضان. منذ نهاية الألف الأولى، هناك مكانة خاصة لأصناف الحلوى الغنيّة بالجوز والعسل أو القطر، والحضور الأبرز دوما هو للقطايف وإلى جانبها الكنافة والعوّامة، وهي الأنواع التي كانت تعدّ أساسا للخلفاء والقادة، وقد نُظِمت حولها مئات القصائد. يعود الفضل للفاطميين في إتاحة هذه الأصناف من الحلوى لعامة الشعب، وهم الذين حكموا مصر وبلاد الشام، وقد حرصوا التأكيد خلال شهر رمضان، على الرخاء والنعم التي وفّرها حكمهم، بواسطة توزيع الطعام والحلوى، التي كانت حتى ذلك الحين، من نصيب الأغنياء فقط، مما جعل الناس يقبلون ويعظّمون شهر الصوم أكثر.

تصوير متان شوفان

القطايف نوع من الحلوى المعروفة والأساسية، وله وصفات متنوّعة. وصفة دقيقة له موجود في كتاب الطبيخ للورّاق (نهاية الألف الأولى) وبعد ذلك في كتاب ابن العديم من القرن – 13، وكتب الطبيخ المصريّة من القرن ال – 14.  والكثيرون اليوم يشترونه جاهزا من حوانيت الحلويات. لدى عائلتي، كان القطايف الحلوى المطلقة في هذه الفترة من السنة، وكانت تُعدّ دائما في البيت.   العجينة، التي تشبه كثيرا البنكيك المقليّ من جانب واحد، كان يُحضِرها أبي طازجة وساخنة يوميّا قبل المساء، وكنّا نقوم في البيت بتحضير الحشوة المفضلة لدينا، الجبنة الحلوة المفتتة مع رشة ملح، وأحيانا القليل من القرفة، وحشوة الجوز المقسم مع القرفة والسكر، ونملأ بها أقراص عجينة القطايف الشهيّة. كانت أمي، بعد الانتهاء من وجبة الإفطار، تقوم بقلي القطايف بالزبدة أو الزبدة المصفّاة، ومن ثم تدخلها في وعاء مليء بالقطر البارد، وهكذا كانت تنتهي وجبة الإفطار بطعم حلو المذاق.

تصوير متان شوفان

نهاية شهر رمضان

قمة شهر رمضان المبارك الدينيّة والروحانيّة، تكون في العشر الأواخر منه، حيث يكثّف الصائمون من الصلوات، قراءة القرآن والتصدّق. هناك جماعة من الاشخاص في كلّ بلدة، تتولّى مهمّة توزيع أموال الزكاة، وهي نسبة من مجموع ما يملك الشخص من الأموال، الذهب، والاستثمارات، تذهب لصندوق الزكاة التي يتمّ توزيعها على الفقراء، وتقام بها كذلك موائد مجانية للمحتاجين.  يتمّ في ليلة 27 من رمضان إحياء ليلة القدر، حيث أنزل فيها الله سبحانه وتعالى، الآية الأولى من القران على النبيّ محمد، كما وتُفتّح في هذه الليلة أبواب السماء، وتُستجاب كلّ دعوة.  لذا يحرص معظم المسلمين على إحياء الصلوات في هذه الليلة، حتى بزوغ الفجر، وقراءة آيات من القرآن الكريم، الدعاء، صلوات ودعوات شخصيّة من الله، بأنّ يمنّ عليهم بالصحة، التوفيق والسعادة والغنى.

نحتفل في نهاية رمضان بعيد الفطر السعيد، عيد يمتدّ لثلاثة أيّام وينهي الصيام، والسُّنة فيه هي الفرح وبثّ الفرح في المقربين على انقضاء رمضان وأداء الفرائض المفروضة فيه.  يتمّ تحضير أنواع من الكعك والمعمول استعدادا للعيد، والمحشوّة بالتمر والجوز، وتمتلئ الطاولات بشتى أنواع الحلويات، الفواكه والمكسّرات لاستقبال الزوّار والمهنّئين بالعيد. لا يوجد طعام تقليدي خاص بالعيد، باستثناء الكعك. لكن يقوم الكثيرون خلال أيام العيد بالشواء، وتحضير وجبات خفيفة لم يتمّ تحضيرها طيلة شهر رمضان، مثل الشكشوكة، العجة والسندويشات. الاحتفال الذي يمثّل صبيحة العيد في عائلتي، هو الاجتماع معا في ظلّ شجرة البلوط الضخمة في ساحة البيت، مع تناول الكعك وكأس من الشاي، وأبي الذي يتلذّذ مجددا من طعم القهوة والسجائر.

المزيد من مجلة اسيف