Ronit Vered and Sami Tamimi sitting at a table infront of bookshelves
צילום: אריאל עפרון

نبذه عن تاريخ الزيت وشجر الزيتون في اسرائيل

تعرض لنا إيالاه نوي مئير – خبيرة زراعية و خبيرة في مجال زيت الزيتون, نبذه عن انتاج زيت الزيتون في البلاد

إيالاه نوي مئير |

تنمو شجرة الزيتون، أو باسمها العلمي Olea europaea، في منطقتنا منذ ملايين السنين كجزء من غابات البحر المتوسط. قطف البشر ثمارها منذ فجر التاريخ: وقد تمّ العثور على بقايا ثمار الزيتون القديمة هنا في إسرائيل، خلال الحفريات الأثرية في الموقع التاريخي “جسر بنات يعقوب”، الذي يعود تاريخه إلى ما قبل 790 ألف عام.

يعتبر زيت الزيتون، المستخرج من ثمار شجرة الزيتون، من أوائل الزيوت النباتية التي تعلّم سكان منطقة البحر الأبيض المتوسط استخراجها. تمّ العثور على أقدم دليل لاستخدام زيت الزيتون في العالم خلال عملية تنقيب في ينابيع صفورية حيث وجدت بقايا من زيت الزيتون في جرار من الفخّار صنعها أوائل البشر الذين عاشوا في الجليل وبدأوا في تعلم صناعة الفخار في العصر الحجري الحديث (قبل حوالي 8,000 عام). كشفت حفريات بحرية قبال شواطئ حيفا عن أقدم معصرة تمّ اكتشافها في العالم حتى يومنا هذا، ويعود تاريخها إلى العصر النحاسي قبل حوالي 6,500 عام.

بما ان شجرة الزيتون كانت جزءا من النباتات الطبيعية في حوض البحر الأبيض المتوسط، لم تحمل قوافل التجار والسفن التي ابحرت من الشرق إلى الغرب الشجرة أو الثمرة معها، بل نقلت فقط المعرفة حول خواصها وفوائدها المتعدده. قام سكّان كلّ منطقة بزراعة أشجار الزيتون وفقًا لتفضيلاتهم واحتياجاتهم، ونتيجة ذلك كانت زراعة عدد كبير من أصناف الزيتون في مساحة محدودة نسبيًا: يعرف العلم اليوم ما يقارب الـ 1,400 صنف يحمل كل منها خصائص وراثية مختلفة.

إيالاه نوي مئير. تصوير ساريت كروبكا

مع ذلك، وعلى الرغم من تاريخه العريق في المنطقة، فقد دخل زيت الزيتون المطبخ الإسرائيلي-اليهودي الحديث من “الباب الخلفي”. يشارك الشيف يسرائيل أهاروني ذكرياته منذ السنوات 5-1984 وقت لم يتوفر فيه زيت الزيتون البكر من المتاجر، وتمكن شراؤه مباشرة من معاصر الزيت أو من المزارعين في القرى العربية. التغيير الكبير في استهلاك زيت الزيتون حصل بسبب رواج المطبخ الايطالي  سواء في المقالات، الكتب او المطاعم الجديدة. المتاجر الأولى التي باعت زيت الزيتون البكر، وليس المكرّر، هي المتاجر المختصه بالمنتوجات الطبيعية (بحسب أقوال شالوم أشوش، صاحب متاجر الطبيعة “طيفاع جاف”).

الصنف الشائع في بساتين الزيتون التقليدية في منطقتنا هو السوري او باسمه الاصلي “صوري”. بموجب أحد الادعاءات، تمّت تسمية الصنف بهذا الاسم لأنّه منذ آلاف السنين قد تم شحن أجود أنواع الزيت المحلي إلى مناطق البحر الأبيض المتوسط عبر ميناء صور في لبنان. إضافة إلى السوري، يزرع في منطقتنا الصنف النبالي نسبة لمدينة نابلس. وتزرع ايضا أصناف أخرى أقل شيوعًا مثل المليسي والذكاري كأصناف لإخصاب الصنف السائد (يوفر الصنف المخصب حبوب اللقاح الذكرية لتلقيح الأزهار الأنثوية).

بعد قيام اسرائيل، ومع تطوّر نظام الزراعة المكثفة في القطاع اليهودي، بدأت الأبحاث الزراعية أيضًا في مجال تربية الزيتون، والتي شملت إدخال تقنيات زراعية متقدمة ومن ثمّ تطوير أصناف زيتون جديدة تستخدم للأكل ولاستخراج الزيت. اليوم، من حيث المساحة، يعتبر فرع الزيتون الزراعة الأكثر انتشارا في إسرائيل: إذ أنّها تغطي 250 ألف دونم من زراعة البعل (الزراعة التقليدية دون أيّ ريّ) و 80 ألف دونم مرويّةّ، منها حوالي 20 ألف دونم مخصصة لزراعة الزيتون المعدّ للأكل-مخلل.

أزمة المناخ: الابتكار في خدمة البساتين التقليدية

أحد الباحثين الذين قدموا مساهمة كبيرة في تطوير أبحاث حول الزيتون في إسرائيل وفي العالم عامّة هو البروفيسور شمعون ليفائي، إذ كان الباحث الذي تصدّر هذا المجال طيلة 50 عامًا. عمل ليفائي على تحسين جودة الزيتون وأنتج عددًا من الأصناف المميّزة؛ أكثرهم انتشارًا هو البرنياع، والذي أصبح من الاصناف الرائجه في بساتين الزيتون الكثيفة والجديدة في أنحاء العالم. قام ليفائي بتطوير أصناف أخرى معدة لاستخلاص الزيت، كصنف معلوت – وهو نوع سوري غير عرضة للإصابة بمرض عين الطاووس(التبقع)؛ صنف اسكل، نتاج تهجين بين صنف برناع والصنف اليوناني كالاماتا؛ إلى جانب أصناف أخرى لإنتاج الزيتون المخلل، مثل سانتا، نوفو وكادشون، والصنف الأخير الذي قام بتطويره – لفيئ.

بالاضافة الى تطوير أصناف جديدة، هناك عملية مستمرة لاقلمة الأصناف المختارة من حوض البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب ايجاد الأصناف المتميزة التي تتماشى مع تقنيات الزراعة المكثّفة ومن ضمنها الريّ الدقيق، التسميد، التقليم وجني المحصول الميكانيكي. نظرًا لارتفاع السعر وصعوبة العثور على أيدي عاملة، هناك اهتمام بإيجاد أصناف يمكن حصادها بأجهزة ميكانيكية حتى في مجال زراعة الزيتون المعدّ للأكل. الدكتور جيورا بن آري، الذي تابع مسيرة البروفيسور ليفائي، وفريقه البحثي يقومون باستعمال اسس جزيئية متقدمة تساعد على تمييز أصناف أكثر مقاومة للامراض واكثر ملائمة للزراعة في الكروم الكثيفة وللتغيّرات المناخية التي نشهدها.

مساهمة أخرى للبروفيسور ليفائي تتمثّل في الدمج بين أساليب الزراعة الحديثة والزراعة التقليدية، مثل البحث حول تأثير تقنية الريّ بالتنقيط على محصول الثمار وجودة زيت الزيتون. مع ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيّرات المناخية التي نشهدها، يلاقي هذا البحث أهمية كبرى: فالتغيّر يُحدث أضرارًا بالغة بزراعة الزيتون التقليدية التي تعتمد على مياه الأمطار وحدها للريّ، مما يؤدي إلى تدهور محاصيل الزيت وجودته.

تطوّر المدن والقرى المتسارع في الجليل وانعدام الجدوى الاقتصادية من زراعة الزيتون،بساتين الزيتون التقليدية لخطر الانقراض. تعتبر استمرارية اتباع الزراعة التقليدية في زراعة الزيتون غاية في الأهمية لأسباب عديدة ومتعدّدة. إلى جانب مساهمة بساتين الزيتون القديمة في إنعاش السياحة، الثقافة، الاقتصاد، فهي تملك العديد من الفوائد البيئية: استيعاب ثاني أكسيد الكربون والحدّ من تلوث الهواء، إدخال مياه الأمطار في التربة والسيطرة على انجراف التربة والجريان السطحي، المساهمة في تنوّع أصناف النباتات البريّة والحيوانات وما إلى ذلك.

حصاد الزيتون في مزرعة ريش لكيش في صفوريه. تصوير ساريت كروبكا

تبحث عدد من المشاريع المهمة عبر حوض البحر الأبيض المتوسط ​​عن طرق للحفاظ على طرق الانتاج التقليدي لزيت الزيتون وتطويرها. أحد أكثر المشاريع تقدما هو مشروع ARTOLIO، الذي يجمع بين مزارعي الزيت من دول مختلفة (إسرائيل، فلسطين، الأردن، قبرص، اليونان وإسبانيا). يقدّم المشروع الدعم للمزارعين في مختلف المجالات، مثل التسويق، التمويل، التشريع، ويساعدهم على إنشاء علامة تجارية مشتركة مع بصمة خاصّة وتصنيف جودة بين الشركات المنتجة، بهدف تمكينهم من الاستمرار بشكل تنافسي في واقعنا الحالي.

في إسرائيل أيضًا، بدأت صناعة الزيتون في تطوير مشروع مميّز يُعنى بالتخصص الإقليمي في مزارع البعل التقليدية في الجليل. قد نشأ هذا المشروع رغبة في تطوير تسويق الزيت المستخلص من هذه البساتين ومساعدتها على الحصول على اعتراف دولي باسم PDO (لقب المصدر المحمي)، من خلال الالتزام بقواعد الزراعة، الحصاد، الإنتاج والتخزين المناسبة والتي بدورها ستؤدي إلى تحسين جودة زيت الزيتون.

يخبرنا المرشد الرئيسي في وزارة الزراعة، الدكتور موجيرا يونس، أن النزعة الحالية في مزارع الزيتون التقليديه في الوسط العربي هي اتباع الحراثة المحافظة (conservation tillage) لمنع تآكل التربة، إدخال أصناف ناجحة مثل أربكينا إلى بساتين الزيتون السورية، البحث عن مبيدات حشرية أقل ضررا للإنسان والبيئة، واجراء تغيير جذري لعملية استخلاص وتخزين زيت الزيتون بجميع مراحلها، بغية تحسين جودة الزيت.

تواجه البساتين الكثيفة أيضًا صعوبات اقتصادية بسبب تغير المناخ، المتمثل بشكل خاص بانخفاض كمية المحصول. يقول الدكتور أرنون داغ، الباحث الرائد في مجال زراعة الزيتون في معهد فولكاني، إن التوجه في القطاع اليهودي هو الى زراعة مكثفة للغاية – زراعة الأشجار الكثيفة والحصاد الميكانيكي المتقدم. في الوقت ذاته، يتمّ البحث عن أصناف جديدة تناسب أساليب الزاعة هذه ,وعن أصناف تحتاج كميّة أقلّ من البرد في فصل الشتاء، بالإضافة يحاول العلماء بحث احتياجات الشجرة من معادن وتعيير كمية الري الملائمه للحصول على ثمار صحية وزيت زيتون عالي الجودة.

المستقبل: الحديث حول تنوّع الأصناف يقتحم سوق زيت الزيتون

شهد العقد الأخير، تغيرا ملحوظا في النظرة الى ما يتعلق بزيت الزيتون، سواء بين منتجي زيت الزيتون الإسرائيليين او المستهلكين. يتزايد الوعي حول المهنية المطلوبه للعمل كمزارع زيتون وحول الأصناف المختلفة المطوره,ويزيد معها الاعتراف بالخصائص الطهوية والطبية لكلّ منها. يتعلّم مزارعو الزيتون الإسرائيليون ويخضعون للتدريب المهني في مجال الزراعة، الإنتاج، التخزين وتمييز الجوده بواسطة التذوق. المزيد من زيوت الزيتون الإسرائيلية تحظى بمكانة دوليّة وتتألق في مسابقات الزيت المرموقة حول العالم أجمع. يُباع زيت الزيتون ليس فقط في عبوات سعتها 17 لترًا، كما كان متّبعًا في الماضي، ولكن أيضًا في عبوات فاخرة وعلب مصمّمة. المزيد والمزيد من المطاعم والطهاة يلائمون اصناف مختلفه من زيت الزيتون لاطباقهم، ويستخدمون زيت الزيتون عالي الجودة في الحلويات أيضًا، مع الحرص على ذكر اسم المزارع والصنف في قائمة الطعام.

لذلك، وبالتزامن مع تطور الزراعة الإسرائيلية، يجب أن يستمر هذا التوجه المبارك وأن يزود الجمهور بمعلومات حول الفوائد الصحية لزيت الزيتون بشكل خاص، والنظام الغذائي المتوسطي بشكل عام. إن الانكشاف لأصناف زيت الزيتون المختلفة وفوائدها الطهوية كاساس دهني للطبق او كطعم توابل مضاف، مع التأكيد على المزايا العديدة التي يتمتع بها زيت الزيتون مقارنة بالزيوت النباتية الأخرى الموجودة، سيشجع المستهلكين على استخدامه على نطاق واسع وبذكاء، وتمييز أي صنف زيت مناسب للتتبيل البارد، الخبز، الطبخ، أو القلي العميق.

إيالاه نوي مئير – خبيرة زراعية وحاصلة على لقب ثانٍ في إدارة المحميات الطبيعية. خبيرة في مجال الزيت – متخصّصة في مجال التقييم الحسّي وجودة زيت الزيتون، رئيسة لجنة متذوقي زيت الزيتون المعتمدين من قبل منظمة زيت الزيتون الدولية. عضوة في لجنة تحكيم مسابقات زيت الزيتون الدولية. تُدير مزرعة عضوية/حركية حيوية ومعصرة “ريش لكيش” العائلية القائمة في صفورية.

المزيد من مجلة اسيف