Wine pouring illustration with grape vines in background
Illustration by Nadav Machete

بلد النبيذ القديمة، ثقافة النبيذ الحديثة

ثقافة النبيذ المحليّ بدأت رحلتها في تتبّع جذورها، وسنرى أنّ البحث أثمر وأطلق براعمه من جديد.

نتالي شفرير |

هنالك ثلاثة مكوّنات تحدّد طابع النبيذ. الأوّل، طبعًا، وهو الأساسيّ من بينهم – المادة الخامة. صنف العنب، بكلمات أخرى، السلالة والجودة، هما جوهر أيّ نبيذ في بداية مسيرته. الثاني، هو الموقع الّذي يصلنا منه النبيذ. في بعض الأحيان قد تكون أهمّيّة التربة والمناخ الّلذان ينمو فيهما العنب، أكبر من سلالة العنب نفسها بشكل جديّ. المكوّن الثالث، هو اليد الّتي تصنع النبيذ – يظهر الفارق في النبيذ كنتيجة لبصمة صانع.ة النبيذ الأسلوب المختار والطريقة الّتي انتج بها.

“تشها-با-ري” نطقتها وأسناني تصتكّ في أوّل مرّة زرت فيها جورجيا. “كلا، كلا” أجابني صديقي وهو يصحّح لفظي “تشخا-با-ري”. الـ “تشا” والـ “خـ” معًا تخلقان نغمةً جديدةً تمامًا. تخيليه كمذاقٍ جديد”. خلال أسبوع واحد من زيارة مصانع النبيذ المختلفة في جورجيا قد تكتشفون أكثر من 20 صنف نبيذ لم تسمعوا عنهم من قبل. عادةً ستجدون 20 صنفًا بسهولة وقد يكون العدد أكثر من ذلك بكثير. أنّ دراسة الأنواع الجديدة هي إحدى أهمّ الأدوات الأساسيّة للتعرف على أنواع النبيذ الجديدة. هذه لمحة أوّليّة مبسّطة نسبيًّا على ثقافة صناعة النبيذ في دولة جديدة، والّتي تتيح إمكانيّة رسم خريطة المكان قبل التعمّق في المقاطعات والمناطق الفرعيّة والتدقيق في التفاصيل الأخرى. وتوازي هذه العمليّة محاولة تعلّم لغة محليّة جديدة وإلقاء التحيّة مباشرةً بعد هبوطك في مطار دولة أجنبيّة.

عمومًا، إنّ الأنواع الملقّبة “بالسلالات التراثيّة” أو الـ “Native Varieties” (الأنواع الأصليّة للمكان) هي الأنواع الأقرب وراثيًّا إلى النباتات البريّة الّتي قام الإنسان بتهجينها، وهي حجر الأساس للتنوّع الوراثيّ الواسع الموجود والّذي تطوّر في كلّ منطقة حسب ثقافتها والمناخ السائد بها على مرّ آلاف السنين.

لن تجد في الدول حديثة العهد لثقافة صناعة النبيذ كنيوزيلندا، استراليا، كندا والولايات المتحدة، حوارًا حقيقيًّا يدور حول السلالات التراثيّة المحليّة للنبيذ، ويعود السبب في ذلك إلى أنّ ثقافة النبيذ في هذه البلاد حديثة نسبيًّا، وحتّى زراعة الكرمة وصلت في عصر لاحق إلى تلك البلاد، وهي تفتقر إلى الأشخاص المختصّين في زراعة العنب وقد لا تجدهم فيها بتاتًا. وسنجد في تلك البلاد أنواع النبيذ العالميّة بالأساس، والّتي تشكّل معظم انتاج النبيذ في العالم (كالشردونيه، ساوفيجنون بلانك، كابرني ساوفيجنون، ميرلو إلخ). ومن هذا المنظور، سنجد إسرائيل حالة غريبة ومتفرّدة – فهي تعدّ دولة حديثة ذات ثقافة صناعة نبيذ حديثة، وفي الوقت ذاته تعود زراعة الكرمة فيها إلى العصور القديمة وبالتالي أرضها غنيّة بالسلالات المختلفة المتجذّرة من الماضي البعيد.

هذه البلاد ليست أوروبا

كمعظم الثقافات الحديثة في صناعة النبيذ، تحولت أنظار المؤسّسين الإسرائيليّين أيضًا إلى أوروبا الكلاسيكيّة متلهّفةً، وأنشؤوا صناعة نبيذ محليّة شبيهة بصناعة أوروبا للنبيذ. وعلى هذا المنحى استمرّ الجيل التالي من صنّاع النبيذ باستمداد طموحه وتألّقه من ذات الأساليب والمعايير المتّبعة في صناعة النبيذ في فرنسا وإيطاليا. لكن في العقد الأخير، مع دخول الجيل الثالث إلى صناعة النبيذ، أو ربّما مع نضوج شيوخ القوم، وبتأثير التغييرات الّتي تواكب الصناعة الدوليّة، بدأ التحوّل عند الإسرائيليّين وأصبحوا راغبين في خلق أفقًا أخرًا – أكثر محليّة – أفق يقدّم نبيذًا يقصّ حكاية المكان (مناخه، مأكولاته وترابه الخاصّ).

في الماضي البعيد، هُجنت نبتة الكرمة لأوّل مرّة في هذه المنطقة، منطقة الهلال الخصيب وأرض القوقاز. تعود الأدلة على وجود تلك الكرمة في أرض- إسرائيل إلى 6000 عام مضوا، وسنجد في الكتب المقدّسة اليهوديّة “كالمكرا” ومصادر “حزال” شهادات موثّقة عن انتاج النبيذ. ومع دخول الإسلام إلى البلاد، مُنع شرب الكحول أكثر من ألف عام، وأصبح منتوج وزراعة العنب في المنطقة مخصّص للأكل فقط، واستخدم لصنع الدبس (عسل العنب)، خلّ العنب، العنطبيخ (مربّى العنب)، ملبن (معجون العنب)، الزبيب وغيرها…

Illustration by Nadav Machete

Growing high-quality table grapes differs from growing high-quality wine grapes. The main requirements for table grapes are for large fruit and clusters, consistent grapes that will produce a high yield, have no seeds, and of course, taste good. Wine grapes are more complex. There is more attention to the type of soil in which the vines are planted, the variety, the method of cultivation, the size of the seed and berry, the concentration of the fruit, the sugar content and acidity, and more. “Wine grape varieties will soften towards the harvest, while table grapes tend to keep their shape and firmness,” says Noa Maoz, the chief agronomist of Israel’s Wine Grapes Board. “Thin skin, for example, is considered a positive trait in wine grapes but less so for table grapes, and it is especially important that the grapes accumulate sugar and retain acidity — two critical properties for producing quality wine with alcohol and body.” In black grapes (red wine), the ability to produce color is also an important factor.

في العنب الأسود (الخاصّ بالنبيذ الأحمر)، أيضًا تعدّ القدرة على انتاج اللون خاصيّة هامّة. فنتجت عن ذلك أنواع عدّة من السلالات الّتي لم تُعتبر ملائمة لإنتاج عنب المائدة أو ظُن أنّها ملائمة بالأخصّ لصناعة النبيذ، ولذا لم تزرع ولم تتطوّر في منطقتنا على مرّ مئات السنين. لذلك خضعت السلالات المحليّة لعمليّة انتقاء – طبيعيّ أو اصطناعيّ – من أجل ملاءمتها لزراعة عنب المائدة.

وفي يومنا هذا، بعد نضوج وجاهزيّة صناعة النبيذ في إسرائيل، ظهرت الرغبة والإرادة في تعلّم وتصميم تقليد صناعة النبيذ المحليّ، وعاد موضوع السلالات التراثيّة إلى الصدارة، وهكذا أحضر العقد الأخير معه الرغبة في التعرّف وتشخيص السلالات المحليّة الّتي قد تضيف الفائدة إلى النبيذ المحليّ. وتنقسم هذه العمليّة إلى مرحلتين: الأولى هي التعرّف على السلالة حسب المادة الوراثيّة في العنب. وقد تكون سلالة هذا العنب المكتشفة إمّا معروفة ومستعملة في كروم البلاد أو مجهولة الهوية غير مستعملة حاليًّا. أمّا المرحلة الثانية، فهي مرحلة الزراعة والتنمية وثمّ فحص تجاوب العنب مع عمليّة صناعة النبيذ.

من عنب المائدة إلى عنب النبيذ

مصنع النبيذ كريمزان هو المصنع الأوّل الّذي بدأ العمل مع هذه السلالات، يقع المصنع في منطقة بيت جالا. عمل المصنع كريمزان مع السلالات المحليّة منذ إنشائه في عام 1885، لكن لم تكن جميع السلالات معروفة الاسم أو واضحة الهويّة. عندما انهيت دراستي الأكاديميّة في علوم التخمير وزراعة الكرمة في إيطاليا، قدّم فادي بطارسه أطروحته في بحث السلالات التراثيّة في جبال القدس، ومنطقة بيت حنينا الّتي كبر وترعرع فيها. قسم من هذه السلالات الّتي درسها نجت من الانقراض كعنب مائدة وبعضها على الأرجح كعنب لإنتاج مشروب العرق والنبيذ. وخلال التشخيص الوراثيّ الّذي أجراه، وجد 21 سلالة مختلفة، من أصل 64 كرمة جمعها من أجل الدراسة، من بين الـ 21 سلالة وجد سلالات فلسطينيّة الأصل ذُكرت في الأدب والأبحاث المحليّة، وسلالات أخرى تناقل المحليّون معارفها عبر الثقافة الشفويّة. ذُكرت جميعها في بحث بطارسه المُبهج، لكن وللأسف الشديد لم يلقَ البحث رواجًا واسعًا في إسرائيل، ومن هذه السلالات: البيتونيّ، البلوطيّ، الزينيّ، الشاميّ، الروميّ، الدراويشيّ وغيرها. اختار من بينهم أربع سلالات لصناعة نبيذه الخاصّ في مصنع كريمزان -الدبوكيّ، الحمدانيّ، الجندليّ، وسلالةمن العنب الأحمر الملقّب ببساطة “البلديّ”- وخلال عام 2010 بدأ ولأوّل مرّة في انتاج أنواع من النبيذ تحت اسمائها الجديدة (تابعوا الموضوع بتوسّع في تتمّة المقال). تنمو السلالات التراثيّة بالأساس في المناطق المحيطة للقرى الفلسطينيّة، وفي الكروم البعليّة (حيث لا يتم ري شجر العنب ويعتمد على مياه الأمطار فقط)، تُزرع أشجار العنب بطريقة التعريش وتكعيب القطوف – وهي الطريقة التقليديّة الّتي تلائم مناخ المنطقة.

اثناء فترة البحث الّذي أعدّه بطارسه في إطار تعليمه، خرج د. أليشاف (شيبي) دروري، عميد معهد عائلة سامسون لأبحاث الكرمة والنبيذ في جامعة أرئيل، إلى رحلة خلالها يجوب إسرائيل من مستوطنة دان في الشمال إلى إيلات في الجنوب أملاً أن يعثر على سلالات عنب تراثيّة بإمكانها ملاءمة احتياجات صناعة النبيذ المحليّ. وبدعم من “كيرن كييمت” ووزارة العلوم والتكنولوجيا، وبالتعاون مع طلابه وشركائه، جمع خلال البحث ما يقارب 600 كرمة، وبعد إجراء الفحوصات الوراثيّة وجد 92 سلالة مختلفة. أولى البحث اهتمامًا بالخاصيّات التالية، قدرة العنب على تكديس السكّر، نسبة الحموضة ولون العنب، ومن ثمّ تمّ اختيار عشر سلالات الّتي خضعت لعمليّة علاج جينيّ للتخلّص من الفيروسات المحتملة، لتتمكّن من الخروج إلى السوق التجاريّ. ذكر بطارسه أيضًا في بحثه بعض من تلك السلالات العشر الّتي اختيرت للعمل، وانضمّ إلى القائمة المزيد من السلالات المكتشفة وتلقّوا اسماءً عبريّة: ياعيل، بار، صيدا، موشيه وتسوريمان (وقد يكون الاسم بالنسبة للبعض من تلك السلالات ليس إلّا تسمية مؤقتة).

تحمل رحلة التعرف على السلالات التراثيّة في طيّاتها سحرًا وروعة سواءً اكتشافها أو تمكين هويّتها لتصبح جزءًا من صناعة النبيذ المحليّة، لكن هذه العمليّة لا تخلو من التحدّيات الجدّية. فسنجد المعرفة والتجربة الّتي يمتلكها المختصّين في البلاد في العمل مع السلالات التراثيّة القديمة والمحدّثة، ضئيلة وتكاد ان تكون معدومة مقارنة مع المعرفة والتجربة فيما يخصّ عمل صنّاع النبيذ مع السلالات المعروفة عالميًّا. إضافةً إلى الخبرة الّتي اكتسبتها صناعة النبيذ الإسرائيليّة خلال العقود الأخيرة في العمل الميدانيّ مع السلالات المعروفة إلّا أنّ هنالك معرفة مسبقة وموجودة عن هذه السلالات عالميًا وخاصةً في الأدبيّات المهنيّة الّتي لا تنضب. بينما سيجلب العمل مع السلالات المحليّة العديد من التحديات الجمّة ويعود السبب في ذلك إلى شحّ المصادر الدراسيّة والأبحاث والنقص في المختصّين والمستشارين.

سنجد أنفسنا- نحن أعضاء وعضوات ثقافة النبيذ في إسرائيل- أمام سيرورة من التجارب، والاخطاء، التفكّر والاكتشافات. تتطلّب هذه العمليّة الكثير من الصبر – سواءً من صنّاع ومصانع النبيذ، وأيضًا منّا المستهلكين. على سبيل المثال، سنجد أنّ الباحثين وصنّاع النبيذ الذين يعملون مع سلالات العنب الأحمر المحليّ، يفضّلون انتاج نبيذ أحمر أكثر خفة. فهو لا يشبه نبيذ الكابرنيه والسفونيون أو النبيولو، بل هو نبيذ ذو طابع خاصّ يحتوي على نسبة أقلّ من العفص (حمض التنيك)، يميل لونه إلى الأحمر الفاتح، ونسبة كحول فيه منخفضة. اكتسب لونه الأحمر من المنطقة، كما وهبته اياه أخف احمرارًا. وربّما قد نكتشف أنّ موقع الزراعة يعرف ما هو الأفضل للعنب.

الانتقال إلى استخدام السلالات التراثيّة هي عمليّة هامّة لا مثيل لها، وليس فقط من الناحية الحضاريّة- التاريخيّة، بل وأيضًا من الناحية البيئيّة. في جميع أنحاء العالم تقريبًا، يؤكد العاملون مع السلالات التراثيّة أنّ السلالات المحليّة تتجاوب بفعّاليّة أكبر مع تغييرات حالات الطقس ومع ظواهر المناخ المتطرّفة. وهو أمر منطقيّ، لأنّ هذه السلالات تمّت ملاءمتها للمنطقة، أي أنها، سلالات تمّ تهجينها وتطويرها لتلائم أنواع التربة والفيروسات الّتي تميّز المنطقة. ولهذا يمكننا أن نفترض أنّها قادرة على استيعاب التغييرات والظروف البيئيّة بسهولة وبشكل أكبر. هنالك فارق كبير بين الريزلينج أو السفنيونبلان، اللّذين يتطلّبان ملاءمة أنفسهما إلى المناخ الإسرائيليّ مثلًا، وبين سلالة تاريخيًّا وصلتنا من هذه المنطقة والّتي اعتادت على الحم المحليّ للبلاد منذ البداية.

ومع جميع هذه الأسباب وأكثر، قرّرنا جمع وتقديم هذا الدليل الّذي أمامكم، وهو يشمل عشر سلالات تاريخيّة يتوقع لها النمو من جديد والظهور في حياتنا، لتصبح مثالًا لمصانع النبيذ وصنّاعه الّذين قد يستخدمونه في صناعة النبيذ.  وهنالك سلالة الّتي هي عبارة عن اختراع إسرائيليّ تامّ “أبيض أزرق” بالكامل. بعض من أنواع النبيذ المذكورة مقترحة للبيع في بقالة المأكولات في مقهى أسيف. 

سلالات تراثيّة لصناعة النبيذ الأبيض أو الفيرموت (المعطّر)

عنب المراوي / الحمدانيّ – يميل إلى انتاج العنب الأبيض الغزير ومعدنيّ الطعم

قطف عنب
Illustration by Nadav Machete

حسب المعرفة الشعبيّة فإنّ عنب المراوي وعنب الحمداني هم اسمان لسلالة واحدة من العنب. بعد الفحص الوراثيّ تبين أنّ هناك تشابه كبير بين هذين النوعين من العنب وفي نفس الوقت هنالك العديد من الفروقات. حتّى هذه اللحظة يتعامل منتجو النبيذ مع هاتين السلالتين عل أنّهما سلالتان متشابهتان فمن الصعب جدا تقييمهن حتّى الآن، إلى أن يتمّ استخدامهم بشكل واسع اعتمادًا على المعرفة المهنيّة والفحص العلميّ. الحديث عن سلالة ذات عناقيد كثيفة وبذور كبيرة، تكدّس السكّر بشكل جيّد ونسبة حموضتها جيّدة أيضًا. عادةً يستخدم لإنتاج النبيذ الأبيض الأكثر غزارة وصاحب المبنى المتوسط، نكهته معدنيّة وقليلة الملوحة ولا يميل بتاتًا إلى الأنواع المزهرة أو الاستوائيّة.

ينتج مصنع نبيذ كريمزان خلطة من عنب الحمدانيّ والجندليّ الّتي اكتسبت شهرةً كبيرةً خلال العقد الأخير منذ اصداره عام 2014، وانتج مصنع النبيذ ريكانتي نبيذ مصنوع 100% سلالة عنب المراوي الخالصة.

 مصنع نبيذ كريمزان خلطة من عنب الحمدانيّ والجندليّ  مصنع النبيذ ريكانتي نبيذ مصنوع 100% سلالة عنب المراوي الخالصة. 

عنب الدبوكي (الدابوقي)

يخبرنا أفي فلدشتاين في مقابلة له، وهو يعمل مع سلالة الدبوكي منذ عام 2014. “أنّ سلالة الدبوكي موجودة في البلاد قبل فترة الإمبراطوريّة الرومانيّة، ليس هناك أيّ إلزام لإنتاج النبيذ من سلالة محليّة”، ويكمل قائلًا، “ولكن إذا كانت وظيفة النبيذ أن يروي لنا حكاية المكان- وها هي سلالة المكان ماثلة أمامنا- كيف لنا ألّا نستخدمها إذاً؟” من بين جميع السلالات العنب التراثيّة في القائمة، الدبوكي هو الأكثر شيوعًا، وله استخدام واسع في صناعة عنب المائدة المحليّ. وهو معروف أيضًا كسلالة ذات مذاق حياديّ نسبيًّا، ولهذا السبب غالبًا ما يستخدم لإنتاج مشروب العرق (وفي لبنان أيضًا يستخدم عنب الدبوكي عادةً كمادة أساسيّة لصنع مشروب العرق) يدّعي صانع النبيذ عميت تولدو، أنّ أحد أسباب اختياره عنب الدبوكي لصنع نبيذ الفيرمونت الخاصّ به هو حياديّة مذاقها إضافةً لكونها سلالة محليّة. وهنا يتبادر السؤال- هل كلّما استخدامنا هذه السلالة أكثر في صناعة النبيذ ستكشف لنا المزيد من خصائصها الّتي قد تفيد الصناعة؟ يقول فلدشتاين ” أنا اؤمن أنّ التربيّة والتعليم ذو تأثير أكبر من علم الوراثة”. “أنا متأكد أنّه بإمكاننا انتاج نبيذ نوعيّ ورائع، في حال استثمرنا بسلالة عنب الدبوكي كما نفعل مع سلالات عنب النبيذ النوعيّة الأخرى، ونفسح له مجال النمو في الكروم والأراضي ذات الجودة العالية “.

أنواع نبيذ تشمل عنب الدبوكي (الدابوقي): عيمك يزراعيل، فات نيت أبيض جاف بليدشتاين، دبوكي  عميت توليدو, فيرموت

عنب الجندلي – يستخدم لصناعة النبيذ المخلوط (بليند)

Illustration by Nadav Machete

الجندلي هو سلالة عنب أبيض مع بذور صغيرة نسبيًّا، وعناقيد ضئيلة وحبّ مطوّل يحصل على اللون الأخضر عند طبخه. الحديث هنا عن شجرة كرمة متينة وقويّة، ومن هنا جاء اسمها، ومعناه “القويّ” أو “صخرة قويّة”. تستصعب الثمار تطوير نسبة مرتفعة من السكّر، مّما يشكّل تحدّيًا صغيراً، لكنّه معطّر جزئيًّا ويحتوي على نسبة مرتفعة من الثمار والزهرة. تاريخيًّا، عرفت سلالة الجندليّ على أنّها سلالة عنب مائدة واسعة الانتشار، لكنّها مع مرور الزمن استبدلت شهرتها واخذ مكانها عنب الدبوكيّ. حتّى يومنا هذا لم يتمّ العثور على نبيذ سلاليّ من هذا العنب، وهو يستخدم لخلطات النبيذ فقط.

Try: Kerem Barak, Jandali, Pet-Nat

عنب الزيني – تكديس سكر جيّد ونسبة حموضة مرتفعة

في اللغة العربيّة كلمة الزيني معناها الشيء المزيّن أو الجميل. هذه السلالة تحتوي على بذور بيضويّة الشكل وكبيرة نسبيًّا وهي أيضًا سلالة يتنقّل اسمها شفويًّا بين الناس، ويتمّ استخدامها بالأساس لإنتاج عنب المائدة. لكنّ سلالة الزيني تتمتّع بقدرات ممتازة جدًا لتكديس السكّر وتحتوي على نسبة حموضة مرتفعة، وتعدّ هذه الخصائص مرغوبة في صناعة النبيذ. يروي لنا كنان خوري من مصنع نبيذ الطيبة عن سلالة الزيني للنبيذ أنّها ذات مبنى خفيف حتّى متوسط، لطيفة جدًا للشرب وذات نكهة من التفاح والاجاص الناضج، مصنع الطيبة للنبيذ هو الوحيد الّذي ينتج نبيذًا من هذه السلالة.

مصنع نبيذ الطيبة، عنب زيني أبيض

بار- أبيض معطّر جزئيًّا

Illustration by Nadav Machete

إنّها سلالة معطّرة جزئيًّا ذات بذور وعناقيد صغيرة، حصلت على اسمها بعد أن تمّ اكتشافها على بئر قديمة في شاطئ بالماحيم. مصنع النبيذ باركان هو المصنع الأوّل الّذي أنتج نبيذًا من هذا العنب، ابتداءً من حصاد عام 2021 وهم ينتجون نبيذًا من عنب البار في اطار سلسلة Beta. يقول عيدو ليفينسون صانع النبيذ الرئيسيّ في مصنع النبيذ “إنّها سلالة رائعة لإنتاج النبيذ، ونحن راضون جدًا وننتظر بشوق لنرى ماذا بعد ستقدّم لنا هذه السلالة أيضًا في المستقبل”. عبر ليفنسون ودروري أيضًا عن بهجتهم وإثارتهم من سلالة بار ومن القدرات الكامنة فيها لإنتاج النبيذ. بالإضافة إلى القدرات الحسّيّة (ميزات تتعلّق بالمذاق والنكهة) في عنب البار، فهو مقاوم للذبول- وأمراض الكرمة الفطريّة- مّما بلا أدنى شكّ يمنحه المزيد من النقاط الإضافيّة.

مصنع النبيذ باركان، سلسلة Beta

سلالات تراثيّة لصناعة العنب الأحمر

عنب البيتوني: معطّر بنكهة الفاكهة الحمراء

إنّها سلالة من العنب الأحمر- الورديّ يحتوي على بذور كبيرة، قشرة غير سميكة عناقيده غير كثيفة مّما يسمح لبذوره النمو إلى حجم كبير. حسب ما يروي لنا دروري، هذه السلالة محبّب في العالم العربيّ، بسبب قدرته على تكديس كميّة كبيرة من السكّر. نسبة حموضته متوسّطة ويحتوي على نسبة عفص خفيفة. يروي لنا كوبي أرفيف، صانع النبيذ الرئيسيّ في مصنع النبيذ ركانتي، أنّه ينتج نبيذًا ذي نكهة معطّرة رقيقة من فاكهة حمراء مزهرة، ويضيف “حسب انطباعي، هو أقلّ حساسيّة للرطوبة والتعفن من سلالات عالميّة أخرى”، يعمل مصنع النبيذ ريكانتي مع هذه السلالة منذ عام 2016.

مصنع نبيذ ريكانتي، بيتوني مصنع نبيذ الطيبة، بيتوني

عنب البلوطي – الأخ الوراثيّ للعنب البيتوني

وهنا أيضًا نواجه تحدّيًا جديًّا وحده الزمن سيكشف لنا أن كان بإمكاننا التغلّب عليه. كما هي الحال مع سلالة الحمدانيّ والمراويّ، قد تكون سلالة البلوطي أيضًا أخًا وراثيًّا لسلالة البيتونيّ- هذا ما اظهرته الدراسات الّتي أجراها بطارسه وأيضًا من أبحاث دروري في الموضوع. إلى يومنا هذا، تبيّن أن الفروقات بين السلالتين صغيرة ويبدو حتّى هذه اللحظة أنّ البيتوني أفضل لصناعة النبيذ بسبب ميزاته. “وقد يتغيّر الأمر عند استخدام هذه السلالة بشكل تجاريّ، ونستنتج من ذلك أنّ لهذه السلالة صفات وميزات أخرى. وسيكون من الصعب معرفة ذلك في هذه المرحلة. يقول دروري “كلّما استخدمنا هذه السلالات لإنتاج النبيذ، سنفهم ميزاتها أكثر”.

عنب تسوريمان – لاذع وحار المذاق وعشبيّ الطعم

حصلت سلالة تسوريمان على اسمها من الموقع الّذي اكتشف به، خربة تسوريمان، الواقعة في قرية شركسيّة في هضبة الجولان. هذه السلالة من العنب الأسود تنمو بطريقة نشطة. ينتج جاي إيشل صانع النبيذ في مصنع النبيذ دالتون، النبيذ التجاريّ الأوّل من هذه السلالة، ومتوقّع صدورها قريبًا خلال شهر سبتمبر هذا العام 2022. يروي لنا جاي “تميل هذه السلالة إلى نضوج متأخر، وهي ذات نكهة لاذعة خفيفة ومذاق عشبيّ. كما هي الحال مع التوت البريّ”. يخبرنا إيشل “من خلال العمل والتأمل في الاعوام الأخيرة منذ أن بدأت زراعة هذه السلالة، وجدنا أنّها ملائمة لمناخ هذه المنطقة، وهي قادرة أكثر من غيرها على التأقلم للمناخ ومقاومة المبيدات. يبدو أنّ المنطقة مريحة لنموّها”. يصل مستوى السكّر فيه إلى نسبة متوسّطة وهذا يمكننا من استخدامه لإنتاج النبيذ الأحمر الخفيف للشرب مع نسبة كحول منخفضة.

مصنع النبيذ دالتون , تسوريمان من سلسلة أسوفا

يعيل – يذكرنا بنبيذ السنجوبيزه

يعيل هي سلالة مكتشفة حديثًا من العنب، عثر عليها خلال الأعوام الأخيرة في منطقة مستوطنة نيتسان بقرب الشاطئ، حيث نمت بطريقة بريّة وتسلقت على الشجيرات في رمال المنطقة. وُصفت هذه السلالة على أنها ذات بذور سوداء وصغيرة، عناقيدها صغيرة أيضًا، وتحتوي على تركيز لون وتركيز من الثمرة. من المتوقّع أن ينتج أنواع من النبيذ الأحمر ومبنى متوسّط الحجم إلى خفيف. يصفه دروري على أنّه يذكّر قليلًا سلالة العنب الإيطاليّة السنجوبيزه. لا تتوفّر بعد هذه السلالة من النبيذ في الأسواق، لكنّه متوفّر للزراعة، ولذا ليس أمامنا إلّا الانتظار.

عنب صيدا الأحمر – غير متوفّر في السوق التجاريّ بعد

هي سلالة من العنب الأحمر بذورها صغيرة نسبيًّا، عناقيدها غير كثيفة وصغيرة ولديها قدرة جيّدة على انتاج النبيذ الأبيض. ليس لدينا التجربة الكافية مع هذه السلالة ولذا لا تتوفّر المعلومات عنه وعن قدراته. حاليًّا هو يخضع إلى المعالجة الجينيّة بإشراف مجلس الكرمة والنبيذ في إسرائيل، ،عندما تنتهي هذه العمليّة سيصبح متوفّرًا في الأسواق للاستخدام التجاريّ.

عنب موشيه – لون أحمر ضارب

سميت هذه السلالة باسم مؤقت، لكن لم يخفِ دروري بهجته العلميّة المنبثقة من حنجرته عندما أخبرنا عنها. “هي السلالة الأكثر سوادًا من بين السلالات التّي وجدناها، تحتوي على نسبة حموضة ممتازة ونكهة بديعة. علينا دراسته بصورة أعمق لنستنتج ميزة هويّته الوراثيّة، لكنّها سلالة لافتة للنظر والاعجاب، وحاليًّا نعمل على تجهيزها للاستخدام التجاريّ”.

عنب الأرجمان – تهجين إسرائيليّ مفاجئ

قطف عنب
Illustration by Nadav Machete

ولد عنب الأرجمان خلال سنوات ال 70 كنتيجة تهجين الّتي كان هدفها انتاج سلالة حمراء مثمرة ذات محصول غزير. المسؤول عن هذا التهجين هو البروفيسور بينحاس شبيغيل باشراف معهد فولكاني، وتمّ التهجين بين سلالتي الكرينيان والسوزار (سلالة برتغاليّة ذات لون فاقع). يشرح أفي بليدشتاين “حتّى تلك الأيام عدّت أنواع النبيذ رخيصة الثمن هي الأنواع الرديئة في مصانع النبيذ. لم يتخيل أحد انتاج نبيذ بسيط يكون أكثر شعبيّة – مفتخر ورخيص الثمن”. وجّهنا سلالة الأرجمان لهذا الهدف – وكان “سيجل” أوّل من يعمل معها. “أنتجوا منه نبيذًا وسمّي ببساطة – نبيذ أحمر عاديّ” تذكّر صانع النبيذ من المصنع في وقتها الّذي عمل معه في بداية الطريق. عشق بليدشتاين هذه السلالة عشقًا كبيرًا. “في اعتقادي حصل معهد فولكاني على أكثر مّما كان يتمنّاه من عنب الأرجمان”. عندما ترك بليدشتاين مصنع باركان- سيغل، تابع إنتاج سلالة الأرجمان تحت العلامة التجاريّة الّتي تحمل اسمه، وهو ينتج ذلك النبيذ إلى يومنا هذا.

منذ أن بدأ مصنع سيغل في انتاج الأرجمان في نهاية سنوات ال 90، وإلى يومنا هذا – بقيت العديد من الزجاجات المخزّنة في القبو لفحص تأثير مرور الزمن عليها. وهكذا اتضح أنّها سلالة تعتّق بشكل رائع، وفعلًا كما يقول فليدشتاين، تعطينا هذه السلالة أكثر من ما توقعنا منها. ،من سبب غير معروف، ورغم وجود هذه السلالة ما يقارب الخمسة عقود- ما زالت غير معروفة حتّى بين محبّي النبيذ المحليّ. “يحتوي على نكهة فائقة ولون غزير، نسبة حموضة مرتفعة، ونسبة عفص وكحول منخفضتين. يضيف عيدو ليفينسون صانع النبيذ الرئيسيّ في مصنع النبيذ باركان، “إنّها سلالة إسرائيليّة مدهشة، رغم أنّ الجمهور لا يعرفها حقّ المعرفة كما يعرف الكابرنيه أو أنواع أخرى من النبيذ”.

بليدشتاين أرجمان (ارجمان) مصنع نبيذ باركان، أرجمان (ارجمان)


ناتلي شفرير حاصلة على لقب أكاديميّ في علوم فنّ الطهي، مالكة شركة “عسيس”، المختصّة في استيراد وتوزيع النبيذ الطبيعيّ والتراثيّ.   في العقد الأخير انتجت مقالات وكتابات عدّة في مجال تذوّق الطعام، ونُشرت نصوصها في دور نشر مختلفة من البلاد والعالم.

المزيد من المقالات من مجلة اسيف