مجموعة الكبه

إذا ما خرجتم في نزهة يوم جمعة من أيام الشتاء في سوق محانيه يهودا في القدس أو سوق هتيكفا في تل أبيب، ستصادفون مجموعات من الأصدقاء والعائلات مجتمعين حول أطباق من حساء الكبّة الساخن. تطهى كرات السميد المحشوّة باللّحم هذه في مرق متنوع مثل مرق الشمندر الاحمر أو حساء الدجاج الحامض أو يخنة القرع الذهبية أو البامية الطريّة. وقد تصادفون أشخاصاً في الشارع يتناولون حبات كبة حلبية مقلية بقشرة مقرمشة من البرغل المحشوة باللحم المبهر والبصل والتي نعرفها من ولائمنا العربية الغنيه.

ظهرت كلمة الكبة للمرة الأولى مكتوبة في نقش مسماري من العام 879 قبل الميلاد في سياق وصف مأدبة فخمة.

مقليه, مخبوزه او مطبوخة في مرق-الكبه بقشرة من الحبوب (غالبا برغل او ارز), واحيانا بطاطا ايضا, حاوية حشوة من اللحم المتبل, هي وبلا شك احد اشهر اطباق المطابخ الشرق اوسطيه من العراق مرورا ببلاد الشام تركيا وبلاد القفقاز, وبما ان اليهود من اصول شرقيه يطبخونها ايضا اصبحت طبقا يمثل مطابخهم . وفقاً لكتاب الطبخ “لذائذ جنات عدن”،  يعتقد بأن بلاد ما بين النهرين هي منشأ الكبه ,والاسم مشتقّ من الكلمة الأكاديّة “كوبو،” وهي تعني “مستدير كالقبة.” هذا هو أيضاً مصدر الكلمة العربية لكلمة “قبة”.  وتتشارك الكلمة جذوراً مع كلمة كبب. ولكن بحسب معجم المعاني، الكلمة مشتقة من الكلمة الفارسية كوبيدن والتي تعني الجرش او السحق والسبب حسب باحثة الطبخ كلاوديا رودين يكمن في طريقة سحق وطحن الحبوب لتحضير عجينة الكبه. ظهرت كلمة الكبة للمرة الأولى مكتوبة في نقش مسماري من العام 879 قبل الميلاد في سياق وصف مأدبة فخمة أقامها الملك الآشوري آشور نصربابل الثاني بمناسبة تدشين قصره الجديد حيث كانت الكبّة جزءاً من قائمة الطعام.

على الارجح ان عجنة الكبّة الأصلية صنعت من اللّحم، مع القليل من الحبوب. نجد في “كتاب الطبيخ” الذي يعود إلى نهاية الألفية الأولى وصفات للكبيبة أو طابات اللّحم المتبّلة والتي تحتوي في داخلها حشوات تهدف إلى مفاجأة الاكلين, فمثلا “المخفية” كانت عبارة عن كرات لحم مع “حشوة مفاجأه” من صفار البيض والمكسرات والفواكه المجففة، فيما كان طبق “البندقية” عبارة عن كرات لحم  محشوة بالحمص المهروس المقدمة في مرق. بدأت هذه الوصفات، التي قدمت بداية على مائدات الأغنياء والحكام، بالتسلل تدريجياً الى مطابخ العامة وبما ان اللحم كان افل توفرا في مطابخهم استبدل اللحم الغالي الثمن بالحبوب المتوفره, الى ان وصلنا الوصفة التي تحتوي على قشرة من الحبوب وحشوة اللّحم. ونجد توثيقا للكبّة في كتاب طبخ مصري يعود للقرن الرابع عشر ويدعى ” كنز الفوائد في تنويع الموائد”، حيث يحوي الكتاب وصفة للكبّة مصنوعة من مزيج من اللحم والقمح أو حبوب الدخن.

حتى اليوم يعتبر تحضير الكبة وتشكيلها عملا شاقا ويحتاج مهارة وخبره, وكم بالحري في عهد ما قبل ادوات المطبخ الكهربائيه, حيث تطلب اعدادها, وخاصة عملية طحن البرغل او الارز مع اللحم جهدا كبيرا ووقتا طويلا. وبحسب كتاب باحثة تاريخ الطعام نوال نصرالله فان الشرط لاعتبار الكبّة متقنة هو “قشرة بسمك قشرة البصل” و”حشوة غنيّة ولكن خفيفة في الوقت نفسه،” فيما “لا تتفكك تلك الرديئة التحضير حتى إذا ما رميت من فوق السطح و” كان الاعتقاد السائد بأن النساء ذوات الأصابع الطويلة الرقيقة هن الأفضل بتكبيب الكبه مما جعلهن موضع حسد, فيما كان يعتقد بأن الرجال غير قادرين على تحضيره لسمك وثخن اصابعهم.

يمكن العثور اليوم على أنواع مختلفة من الكبّة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط والقفقاز, مختلفة بنوع العجنه ,التوابل, وطريقة الطبخ(هناك أكثر من 90 وصفة معروفة للكبة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وحدها!) وتشمل هذه الوصفات كبة الباذنجان التركية والكبة المبرومة، وهي لفافة من عجنة البرغل المحشوة بالفستق واللّحم وهي وصفة حلبية من سوريا.

الكبّة المصنوعة من البرغل هي الأكثر انتشاراً في المنطقة، ولكن في العراق غالباً ما تكون مصنوعة من الأرز لتوفره هناك, حيث زرع في مصب دجلة والفرات منذ العصور القديمة. ومن ثم دمجت البطاطا في عهد الاستعمار في القرن التاسع عشر، فبرزت كبة البطاطا وهي أقراص كبة مغلّفة بعجينة البطاطا المهروسة. وغالباً ما كان البرغل يستبدل بالأرز أو البطاطا في المجتمعات اليهودية في عيد الفصح اليهودي.

بنظرنا تخصيص الوقت والجهد المطلوبان لتجهيز الكبه هي من اشكال التعبير عن الحب

عندما انتقل اليهود العراقيون الى إسرائيل في منتصف القرن العشرين، كان لا بد لهم من العثور على بدائل للأرز الذي كان باهظ الثمن،واعطي لكل عائله بحصة معينه. لم يكن أرز بن غوريون، الذي يعرف حالياً بالكسكس الإسرائيلي، مناسباً لعملية التحضير، فيما كان السميد مناسباً وكان متوفراً وجاهزاً وكان من السهل استخدامه في عملية التحضير. في تلك الفترة، أصبحت وصفة السميد رائجة في إسرائيل.

أصبحت تقنية تشكيل الفطائر، التي كانت تحضر غالباً في المنازل، مّهمة الجدّات والطباخين في الأسواق. اما بالنسبة إلينا، فان الجهد المبذول في تحضير الكبة هو تعبير عن حبنا لمن نقدمها لهم لكنه ايضا سبب قد يؤدي الى اندثار هذه المهارات. تعتقد كلاوديا رودين انه وبالرغم من الاهمية الثقافية والتاريخيه لانواع الكبه المختلفه قسم كبير منها لن يتمكن من الصمود امام التغييرات العصريه لوقت طويل.

لمجموعة الكبّة هذه، جمعنا وصفات من طباخين منزليين مميّزين وبحثنا في الكتب لنجد واحدة من مصادر تاريخية. وتشمل وصفاتهم الكفتة التبريزية وهي واحدة من أوّل وصفات تجسيد الكبّة المحشوّة بالفواكه المجفّفة؛ بالإضافة إلى وصفة أخرى من البصرة في العراق وهي أقراص مغلّفة بالبطاطا المهروسة؛ وأقراص الكبة التي تعرف بكبّة حموستا نوعا، من كردستان والتي تتميز بعجينة ارز مطبوخه في حساء اللوف البري؛ ووصفة عائلية لصديقنا الجليلي كريم حيث الكبة مصبوغة باللّون الأحمر بتاثير معجون الفلفل الأحمر، بالإضافة إلى الكثير من الوصفات الأخرى.

قدر ازرق يحوي اقراص الكفته

كفته تبريزي