Asif

“صحن للغايب” هو مشروع يحيي ويخلد ذكرى ضحايا الحرب التي اندلعت يوم 7 أكتوبر من خلال تحضير أطباقهم المفضلة وإسماع قصصهم. لأول مرة منذ رحيله تحضّر يونيت، أم المرحوم ليئيل إيطح، كبدة الدجاج التي كانت تحضّرها خصيصًا له.

“كلما زاد البصل كلما أحسن”، تقول يونيت إيطح وهي تفرم كومة بصل بعيون دامعة ومحمرَّة. “اليوم الصبح فقت بشعور إني رح أحضّر هاي الأكلة عشان ليئيل وكثير تحمسّت. حسّيت إنه عنجد جاي وإني رح أحضّرله اياها مخصوص”. 

أحبّ ليئيل تناول طبق الكبدة مع الكثير من البصل. ليس هذا طبقًا للأطفال، تقول يونيت، لا من حيث الطعم ولا من حيث القوام، لكنه كان طبق ليئيل المفضّل منذ تناوله لأول مرة عندما كان يبلغ عمره 5 سنوات. كانت تضع القليل من البصل في البداية لأن الأطفال لا يحبونه، لكن ابنها أحبّ الطبق مع الكثير الكثير منه وكان يطلب منها إضافة المزيد في كل مرة. “دايمًا كان أكبر من عمره،” تقول.

ولد ليئيل في العام 2001 ليونيت وكوبي (يعكوف) ونشأ في مستوطنة عناتوت. الابن الأكبر والحفيد الأول من كلا الجانبين. تقول والدته أنه كان طفلًا مختلفًا عن باقي الأطفال و- “أكبر من جيله”: فطم نفسه عن الحفاضات قبل سن الثانية وحصل أن وجدته يغير ملاءات سريره، وهو في الثالثة من عمره، بعد أن بللها بالماء. تقول أنه كان دائمًا يترك غرفته مرتبة ونظيفة وأنه كان “ولد سهل ومريح”. فقط بعد أن ولدت أخواته الثلاث، أدركت الأم أن ليئيل كان طفلاً غير عادي – حتى عندما كبر وأصبح مراهقًا، كانت المسؤولية والاستقلالية جزءًا كبيرًا منه. “حتى أصحابه كانوا يعرفوا إنه ليئيل هو إشي مميز،” تقول يونيت، “كنت لما أشوفه نايم ع الكنباي مرات أقول لنفسي: نيالي إنه إبني”. 

هي المسؤولية ورباطة الجأش نفسها التي تصرف بها في ساعاته الأخيرة صباح 7 أكتوبر. لم يكن ليئيل “تبع حفلات”، تقول يونيت، لكنه كان مقبلًا على أربع سنوات مكثفة من دراسة الهندسة الميكانيكية، وقرر، قبل يومين من الحفلة، الذهاب إليها مع اثنتين من صديقاته للاستمتاع بالأيام الأخيرة قبل بدء الدراسة. 

في الساعة 06:30، ومع بدء دوي صفارات الإنذار، ركب الثلاثة السيارة وحاولوا مغادرة منطقة الحفل، لكنهم وجدوا أنفسهم عالقين وراء سيارات باقي الفارّين من المكان. وجهّهم رجال الشرطة نحو الحاجز لينتظروا الإنقاذ – حتى أدركوا أن الحاجز نفسه أيضًا على وشك أن يصبح مصيدة موت وأمروا الجميع بالهرب من المكان. بينما جرت صديقتا ليئيل نحو سيارة إسعاف قريبة في محاولة للعثور على مكان للاختباء، حاول هو تشتيت انتباه الإرهابيين. أربعة منهم بدأوا بمطاردته ونجحوا بالإمساك به بعد أن جرى حوالي كيلومتر. بينما لاحقه الإرهابيون، أطلِقَت قذيفة آر بي جي نحو سيارة الإسعاف التي اختبأت فيها الصديقتان وقتِل جميع من كان فيها. 

“الفيديوهات بتورجي كيف ليئيل قدّم المساعدة للي كانوا هناك، حضن الكل، وزع مي، حاول يهدّيهم – المسؤول عن الموقف، مثل دايمًا،” تقول يونيت. إحدى الضابطات التي كانت في المكان أخبرتهم أنها تتذكره وتتذكر تصرفه الشهم والهادئ مع الموقف. تقول يونيت أن لحظاته الأخيرة كانت انعكاسًا لكل ما كان يميزه. 

نادرًا ما تدخل يونيت المطبخ الآن، منذ قتل ابنها، وقلما تطهو، وتقول أنها لم تجد ما يكفي من القوة لتحضير طبق الكبدة هذا حتى اليوم لأنها اعتادت تحضيره من أجل ليئيل فقط، الذي كان الوحيد من أبناء البيت، غيرها، ممن كانوا يحبون تناوله; كانت تحضرها له في كل مرة أرادت تدليله، في كل مرة كان يعود فيها من الجيش، وعندما عاد من رحلته في أمريكا الجنوبية: كبدة الدجاج مع الكثير من البصل المكرمل إلى جانب البيريه و- “سلطة ليئيل” – سلطة ملفوف مع البندورة بالمايونيز والليمون. 

“كنت دايمًا أعرف إنه رح يكون ناجح، كنت دايمًا أتخيل بيته، أنيق ومرتب ودايمًا مليان ناس، إنه رح يكون عنده شركة خاصة ناجحة وصاحبة أحبها ونكون صديقات – كنت متأكدة إنه هيك رح تكون حياته”، تقول مبتسمة، “دايمًا بحكي عنه بابتسامة، مش بحزن. لأنه كمان بخليني أتبسّم”.