Hands of two women building tradition taboon oven from mud and straw
دور كدمي

الشعلة الأبديه لنار الطابون

يعد بناء واستعمال طابون الطين للخبز، حرفة قديمه في طريقها الى الانقراض. زيارة لقرية سوسيا الفلسطينيه كشفت لنا طريقة بناءه، وسر طعم خبز الطابون الخاص.

مزنه بشاره |

تبني وداد نواجعه، من قرية سوسيا الفلسطينيه،طابون الطين الخاص بعائلتها بكلتا يديها، تماما كما بنته امها جدتها وامها، حتى أجيال عديدة قبلها. في يوم قارس من ايام الشتاء الماضي، رافقت وداد في مساكن عشيرتها في سوسيا جنوب الخليل، لاتعلم منها عن هذه المهنة العتيقه، المهددة بالانقراض.

امرأة تحمل كيسا في طريقها إلى الطابون
تصوير دور كدمي

تبدأ وداد عملية بناء الطابون، بجمع التربة الملاءمه، تربة الحوّر، التي تنقلها بدلاء إلى كوخ صغير تستعمله كمخزن. هناك تقوم بخلط التربة مع الماء لتحصل على طين، مضيفة قش تبن مقطع، وتعجن الخلطة جيدا بيديها الماهرتين، حتى تحصل على خلطة متجانسه

بعدها تبدأ عملية بناء الطابون-عملية تستمر عدة ايام: تضيف الطين، تشكله على شكل دائره، تسويه وتملسه، تتركه لينوفو مدة يومان، ثم تكرر هذه الخطوات حتى تنتهي. النتيجة هي مبنى على شكل قبه فارغه، بقطر 50سم تقريبا. يستعمل غطاء معدني لتغطية الفتحة في قمته.

تصوير دور كدمي

بعد جفاف الطابون تماما، تقوم وداد بحفر “قحف” ،حفرة في الارض،(احيانا تكون على منصة مرتفعه)، وتعبئتها بقطع زجاج مكسره وملح، بهدف الحفاظ على حرارة عاليه. تغطي هذه الحفره قطعة معدنيه تشبه الصينيه الكبيره ،ويوضع الطابون فوقها. بالنهايه طبقة من الحصى تغطي أرضية الطابون للحفاظ على درجة الحراره بدرجة قصوى، كل هذا المبنى يتواجد في كوخ يسمى أيضا الطابون، يساعد على حفظ الحراره والحماية من المطر والرطوبة.

إيقاد الطابون



يدفن الطابون في جفت زيتون جاف، أو فضلات حيوانات جافه، الأمر الذي منح اسمه الشعبي “طابون زبّالة” . قبل استعماله اول مره ،يشعل الطابون ويدفن تحت الرماد مدة يومان، لخلق حرارة عاليه، دون شعلة نار مباشره. منذ هذه اللحظة وصاعداً، يحافظ على ايقاد الطابون بشكل دائم، حيث “يطعم” في كل مساء، بمادة وقود جديده ليكون جاهزا للاستعمال في اليوم التالي. اذا حفظ الطابون مت تأثير الأمطار والرطوبه، يمكن استعماله لسنوات.

فلسطينيه تخبز في الطابون
تصوير دور كدمي

لخبز الطابون شكل وطعم مميزان، حيث يتخذ شكله تقعرات الحصى الموضوع في قعر الطابون، اما طعمه المدخن فيكون بتأثير الدخان المنبعث من مادة الوقود المدفونة تحت الرماد. يستعمل الطابون ايضا للشي والطبخ البطيئ، حيث تتنكه المأكولات بالنكهة المدخنة المميزه

قليلاً من التاريخ

أصبح طبخ الطعام عادة يوميه قبل حوالي 200000 سنه،حين شويت اللحوم وماكولات أخرى على نار مفتوحه ومباشره.ظهرت  مباني خاصة للطبخ، مثل حفر نار، في الفترة الاكاديه في منطقة ما بين النهرين، قبل أكثر من 4000 سنه، وفي الفترة الفرعونيه، في القرن الثالث ق.م.

نوع الطبخ هاذا هو ما يعرف اليوم بالشواء، سواء على الفحم او على  الحطب، وسمي بالاكاديه ب”كانونو” وهي نفس الكلمه التي تستعملها حتى يومنا هذا لوصف كانون الشواء

  1. ظهرت مواقد اكثر تطوراً للطبخ في بلاد الهلال الخصيب في فترة متأخرة اكثر من التاريخ-هذه المباني سميت ب “التنور” باللغة العربية والتركيه، أو التندور بالاوردو، وهي عالاغلب الأصل للتنور والصابون المستعمل في ايامنا

  1. التنور القديم كان عبارة عن مبنى طيني اسطواني،ارتفاعه  اقل من متر واحد ، مع فتحة مدورة في أعلاه. وضعت مواد الوقود في قعره، والخبز الأول الذي صنعه البشر، خبز مسطح صنع دون استعمال خميره، الصق على جدرانه حتى خبز. مع الوقت، بدأ استعمال قدور واواني فخار وضعت فوق فوهته. آثار لتنور كهذا وجدت في مواقع حفريات اثريه في قيسارية على شواطئ فلسطين وفي منطقة الروحه-يوكنعام في الداخل. ونماذج عصرية منه ما تزال مستعملة حتى الآن في العراق، تركيا، مناطق القوقاز والهند.

تصوير دور كدمي

مع اكتشاف سحر الخميره في مصر الفرعونيه، حيث بدأ الناس بإضافة الجمعه او الاطعمه المخمره إلى العجين. لكن العجين المختمر  لم يلائم الخبز في التنور،حيث تطلب بيئة رطبه  ووقت خبز أطول بحرارة اقل، هكذا اخترع طابون الطين المعروف في فلسطين.

بالماضي، عرف في فلسطين وبلاد الشام نوعان من الطوابين: الأول مشابه لما بنته لنا وداد، طابون طين مدفون تحت الرماد دون مصدر نار مباشر- ومن هنا مصدر اسمه (ط.ب.ن. غطى او أخفى لتغطية الجمر بالرماد) . الطابون الثاني ،طابون وقاده، مبنى اسطواني ذا  فتحة  في جانبه، ادخل منها الحطب،مما زوده بنار مباشره. نوع الطابون هذا ما زال مستعملا في مناطق قرويه ويخبز فيه خبز الكماج، الرغفان وغيرها.

كلا النوعان وضعا في اكواخ صغيره، في ساحات مشتركة بين البيوت، تشاركت استعمالها والحفاظ على ايقادها عدة عائلات . وقد ابعدت عن مكان السكن بسبب رائحة الدخان القويه المنبعثة منها والناتجه عن احتراق مواد الوقود المستعمله. مع تطور المدن والقرى ، تطورت أيضا أفران طوب في كل حاره، إضافة إلى المخابز التجاريه، واستمر استعمال الطابون فقط في المناطق البعيدة عن المدن. في مطلع القرن العشرين، تجول المصور والكاهن الألماني غوستاف دالامان في فلسطين، ودون العديد من المعلومات والمشاركات عن الطوابين واستعمالها.  لكن اليوم يندر استعمالها جدا، ونجده خاصة في غزه، حيث أصبحت، بسبب الحصار وندرة مواد الوقود وانقطاع الكهرباء المستمر الناتجان عنه، مصدر الطبخ المتوفر، إضافة إلى قرى صغيره في الأراضي الفلسطينية وقرى الصعيد في مصر وتونس والجزائر

المزيد من المقالات من مجلة اسيف