سر كتاب “من المطبخ مع كل الحب”-מהמטבח באהבה

ما هو سرّ كتاب الطبخ الذي يلقى هذا النجاح حتى بعد مرور يوبيل كامل على نشره? توجّهنا إلى أربعة مختصّين روّاد في عالم الطبخ لنتذكّر القصص الشخصيّة والعائليّة المرتبطة بالكتاب، والتي أثّرت على مفاهيمهم المهنيّة والشخصيّة.

طاقم اسيف |

“لديّ منه في البيت!”، هو الجواب الذي يكرّر نفسه في كلّ مرّة يأتي فيها زائر جديد إلى مكتبة أسيف ويرى كتاب “من المطبخ مع كلّ الحبّ” لروث سيركيس. الأمر ليس بمفاجئ، فالحديث يدور عن أكثر كتب الطبخ الإسرائيليّة نجاحًا – بيعَت منه قرابة المليون نسخة منذ نشره عام 1975.

ما هو سرّ كتاب الطبخ الذي يلقى هذا النجاح حتى بعد مرور يوبيل كامل على نشره، وبرغم أنّ الكثير من المكوّنات فيه لم تعد مستخدَمة في المطبخ الإسرائيلي منذ وقت طويل، فضلًا عن أنّه كُتِب بصيغة المؤنّث؟ توجّهنا إلى أربعة مختصّين روّاد في عالم الطبخ – جيل حوفاف، إفران إنزل، مزنة بشارة وأييلت ليطوفيتش – لنتذكّر القصص الشخصيّة والعائليّة المرتبطة بالكتاب، والتي أثّرت على مفاهيمهم المهنيّة والشخصيّة.

Watch: A special conversation at Asif between Efrat Enzel and Ayelet Latovitch as they discuss “Cooking With Love.” 

انقلاب في صفحة كتاب, جيل حوفاف

رسوم اوريت اريف

جيل حوفاف- ولد في القدس، يعيش في تل أبيب، يكتب النثر(“كيتش” ؛ “سكاكر من السماء” والمزيد)، مؤلف لكتب طبخ (“شمس، بحر وطعام أيضًا” ؛ “التسوق مع جيل حوفاف ” والمزيد)، إعلامي (“ثوم فلفل وزيت زيتون “،” نصنع سوقًا”،” الطاهي المحلّق” وغير ذلك) ويحاضر حاليًا في إسرائيل وحول العالم في موضوع الطعام.

أهمية “من المطبخ مع كلّ الحبّ” هي تاريخية قبل كلّ شيء، ولكن ليس فقط. كتاب روث سيركيس الأول، وهو الأول بين سلسلة كتب طهي طويلة قامت بتأليفها، قد حقّق انقلابًا – إذ أنّه كتاب الطهي العصري الأول من نوعه في إسرائيل. كانت هناك كتب طهي قبله بكلّ تأكيد، بعضهم لم يكن سيئا ولكن كان أقلّ وضوحًا، تفصيلُا وغالبا ما كان فقيرًا في محتواه. روث سيركيس هي طاهية. أنا أشدّد على الأمر، طاهية -وليست شيف معروفة، ليست معروفة إعلاميا وليست نجمة. سيركيس هي طاهية تتسم بالجدية، الكد، الإتقان وحب كبير للمطبخ، وهذه صفات أقدرها كثيرًا. بعد انجذابنا لسحر الطهاة النجوم، أدركت أنه ليس من المفترض أن يكون الطهاة على هذا النحو؛ هذا لا يصب في مصلحتهم، ولا في مصلحة الجمهور.

صدر كتاب “من المطبخ مع كلّ الحبّ” بعد أن عادت روث سيركيس من الولايات المتحدة، حيث عاشت مع زوجها بضعة سنوات، وكتاب الطهي الذي كتبته تماشى مع تلك الفترة- بطابعه الأمريكي. لقد ألفت كتابًا أساسيا، بكلّ ما تحمله الكلمة من معان إيجابية؛ مع ذلك، كان إصدار هذا الكتاب في إسرائيل بمثابة هبوط لسفينة فضائية في مطار بن غوريون. أعتقد أنني كنت أبلغ 11 عامًا عندما تلقيت الكتاب كهدية، ومن ناحيتي قد فتح لي الطريق إلى المطبخ؛ أذكر حين أعددت دجاج البحر الأبيض المتوسط مرارًا وتكرارًا، وعلى الرغم من أنه لم يكن طبقًا يدعو للتباهي – بمكونات تبدو غير مثيرة كمعجون الطماطم والتوابل الجاهزة- إلّا أنهم أشادوا فيه وقالوا “كطبق في المطعم تمامًا”! كنت في غاية الفخر. نجحت.

سيركيس هي ربّة منزل. ليس بمفهوم التقليل من شأنها، فهي كاتبة ممتازة، ناشرة موهوبة وامرأة سافرت وبحثت إلى ما لا نهاية، لكنها في الأساس طاهية منزلية، تتمتع بالفطرة السليمة وواقعية. لذلك عندما تكتب وصفة ما، فإنها تفكر أيضًا في الأواني التي يجب غسلها، عدد الأشخاص الذين يمكن إطعامهم وما إذا كانت هناك كربوهيدرات وبروتين على المائدة. هذه هي الأفكار السليمة حول الطعام عند التوجّه إلى طهاة المنزل، وليس التركيز على تزيين الصحنִ او الإصرار على تقنيات المطبخ الجزيئي والأمور المحرجة الأخرى التي أصبحت شائعة في السنوات الأخيرة

للتوضيح: فكرة أن يشرح شخص ما وصفة بطريقة واضحة ومفصّلة لم تكن متّبعة في حينها. الوصفات التي نشرت كانت بمثابة رموز سريّة، ولا يمكن تفسيرها إلا من قبل الطهاة المتمرسين. لم أكن طاهية في حينها، وفجأة نجحت في إعداد أطباق جديدة لم تكن من ضمن المأكولات التي تواجدت عادة على مائدتنا. أكلنا جيدا في المنزل، لكن فكرة القدرة على إعداد أطعمة غير مألوفة كانت مثيرة بالنسبة لي ولكثير من الإسرائيليين. كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها عرض الوصفات بطريقة مغرية ودقيقة: بعيدة عن التعجرف والهباء. من الصعب المبالغة في أهمية الأمر: أدركنا فجأة أنه بإمكاننا إعداد أطباق ليست من ضمن قائمة الأطباق العائلية المعهودة، وإتقانها.


المدوّنة الأولى في دولة إسرائيل/إفرات إنزل

رسوم اوريت اريف

افرات انزل مختصة فحوى بعالم الطهي, رياديه وشخصيه كوليناريه مبدعه

تقف والدتي في المطبخ. تقوم بتحريك الجبنة مع مسحوق حساء البصل. في وعاء منفرد تخلط جبنة وزبدة مع كثير من الفلفل، أي البابريكا. تضع بجانبه كومة من الرقائق الناشفة وتقدّم الطبق للضيوف. ثمّة شعور بأسلوب جديد يلوح في الأفق.

في آذار عام 1975، شهر عيد ميلادي، تمّ إصدار الكتاب الذي غير ثقافة الضيافة في إسرائيل. ولكن لم ندرك ذلك في حينها.

أدركنا أنّه ولأول مرة يُنشر كتاب في إسرائيل يحتوي على صور حقيقية للطعام – وليس مجرد رسوم توضيحية – فيوجد هنا كتاب لا يكتفي بعرض الوصفات وإرشادات التحضير، بل يأخذ بيد الطاهي المبتدئ (بلغة الكتاب -الطاهية المبتدئة) ويعلّمه كيفية التوجّه لفنّ الضيافة. كتاب لا يستند على الفرضية بأنّنا جميعا نتقن الضيافة، ونبحث فقط عن وصفة أو اثنتين لنحصل على تشكيلة من الأطعمة؛ هو كتاب يسلط الضوء على مبدأ التمتّع ويعلّمنا أنّ الأمر مشرّع.

كُتبت عشرات المقالات الاجتماعية حول الكتاب، حيث حللت سر نجاحه وحاولت اكتشاف السبب وراء كونه كتاب الطبخ الإسرائيلي الأكثر مبيعًا على الدوام. لكنني على ما أظنّ لم تُكتب أي من هذه المقالات في العشر سنوات الأخيرة. ففي العشر سنوات الأخيرة طرأ أمر ما يفسّر سر النجاح على ما يبدو – شبكات التواصل الاجتماعية وعالم المدوّنات.

في يومنا هذا، بينما نتفحّص المدوّنات التي تُعنى في فن الطهي، نتعلّم أن أكثرهن نجاحًا لا يفتعلن وهم النجاح، بل يُظهرن جوانب صادقة في حياة المدوّنين؛ أولئك الذين لا يخشون الكشف حتى عن اللحظات الحرجة في المطبخ وعن سيرورة تعلّمهم: سلسلة من المحاولات في الطريق إلى الوصفة المثالية، تخبّطات وحتى إخفاقات. بكلمة واحدة- مصداقية.

في مقدمة الكتاب تشرح سيركيس عن رحلتها إلى بوسطن برفقة زوجها رافي، رحلة دبلوماسية تطلّبت منها أن تصبح بين ليلة وضحاها مضيفة مثالية، امرأة العالم العظيم؛ شخص يعرف كيف يعدّ بوفيهًا رائعًا أو يقدم وجبة فاخرة على المائدة بسهولة ودون بذل مجهود. وهي، أثناء تنقّلها، تترقّب محيطها بكثير من التجارب وارتكاب الأخطاء، تعلمت أن تفعل ذلك، والطريق التي سلكته علمتها بالضبط ما يجهله الناس؛ ما الذي يجب تعليمه لهم ليتقنوا فنّ الضيافة. ما هي المعرفة التي يجب تقديمها للطاهي المبتدئ لإكسابه الثقة في الاستضافة والإطعام بدلاً من مجرد التغذية.

كانت مدركة للتحديات المختلفة التى تواجهها في مرحلة التخطيط، مرحلة الاقتناء، مرحلة الطهي، التخزين، التسخين، وعرفت كم من المهم أن نصل إلى مرحلة الضيافة منتعشين وسعداء. عرفت تمامّا ما الذي تريد أن تكتبه، بما في ذلك الأساليب الإرشادية ودرجة التبسيط، وذلك كي يجد كل طاهي أو طاهية في الكتاب الإجابات التي يبحثون عنها.

وبكلمات أخرى، اختارت روت المصداقية والأصالة. وبكلمات وقحة بعض الشيء، في نظري روث سيركيس هي المدوّنة الأولى لدولة إسرائيل. كونها عملت في وسائل الإعلام المطبوعة، سنوات قبل أن نتخيّل قدوم اليوم الذي سيخترع أحدهم فيه شبكة الإنترنت.

روث سيركيس هي الكاتبة الأكثر أصالة ومصداقية التي كانت هنا؛ إذ أنّها فتحت المجال لجميع المؤلفين والمؤلفات الذين جاؤوا من بعدها. “من المطبخ مع كلّ الحبّ” هو كتاب متواضع ومبسّط بمحتواه: يمكن لكلّ واحد منّا أن يجد نفسه فيه، يمكن لأي شخص أن يجد فيه إجابات، قد يشعر كلّ منا أنّ الرغبة في التلذّذ هي أمر طبيعي- ومن المقبول تمامًا ألا تدرك كيف تفعل ذلك؛ فهذا الكتاب كُتب خصيصًا لك.


الشلّة/آييليت ليطوفيتش

رسوم اوريت اريف

اييليت لاتوفيتش, مؤلفة كتب طبخ, ومديرة الطهي في اسيف

في سنوات السبعين, مرّة كل بضعة أسابيع كانت تقام حفلة في منزلنا. سماهم والداي ب “الشلّة”: أزواج من الأصدقاء، ومن ضمنهم والديّ، اجتمعوا في كلّ مرّة في منزل أحدهم، شربوا قليلًا، أكلوا الكثير، رقصوا وفرحوا معًا بالأساس.

في إحدى المرّات، كنت في السادسة من عمري تقريبًا، أقيمت حفلة في منزلنا وفي ختامها تبقّت اقراص بيتزا صغيرة يدفع مذاقها إلى الإدمان. وأنا، كواحدة لم ترغب الطعام على الإطلاق، تمتّعت بالمذاق: الحلاوة العميقة لمعجون الطماطم وتوابل الأعشاب المجففة، هشاشة الخبز وطبقة الجبن الحارة الذائبة على الوجه.

يبدو أنّ الوقت قد مرّ، وقد كبرت قليلاً، إذ أنني في الذكرية التالية أشارك في التحضيرات فعليا. ها أنا أقف بجانب درج الخبز، وأصنع بمساعدة كأس زجاجية أقراصا من الخبز الأبيض والناعم وأتوسل إلى والدتي أن تترك لي بعض أقراص البيتزا هذه المرّة أيضًا. سمحوا لي بالبقاء مع الضيوف قليلًا على ما أذكر، ففي ذاكرتي توجد أيضًا صورة لطاولة عليها وعاء كبير يحتوي على شراب البنش في زاوية غرفة الجلوس ولإيتسيك، أفي، يهوديت وكوبي – كلهم سعداء ومبتهجون. ولكن لم تنتظرني أيّ من اقراص البيتزا في صباح اليوم التالي.

فقط عندما كبرت تمكنت من ايجاد الرابط الذي يجمع بين هذه البيتزا، فطيرة البصل التي تواجدت على المائدة عند دعوة والدي لزميلاته إلى عشاء السبت وحفلة الصف حول موضوع إيطاليا، وبين كتاب روث سيركيس “من المطبخ مع كلّ الحب”. مرّت سنوات قبل أن أدرك أن كرات الجبن المغطاة بالجوز التي كانت والدتي تصر على إعدادها في كلّ عام في عيد الشافوعوت – على الرغم من عدم لمسها من قبل أي فرد من أفراد الأسرة الموسّعة – كانت دليلًا على انتقالها من الطعام الفارسي التقليدي الذي تعلمته في منزل والدتها، إلى الطعام وكرم الضيافة الحديث الذي يفتح نافذة على عوالم جديدة. الكتاب لا يزال هناك، على أحد الرفوف في المطبخ. ونعم، في كلّ عام تحرص والدتي على إحضار كرات الجبن المغطاة بالمكسرات وشرائح التفاح، وكذلك “آش رشتا ماستين” (طبق تقليدي من المطبخ الفارسي – الشعرية، الفاصولياء الحمراء، الكثير من البصل المقلي والجبن مع الكثير من النعنع المفروم). لا زلت أذكر نكهة أقراص البيتزا هذه وفطيرة البصل الغنية بالزبدة. إنّها بمثابة “زوّادة” أحضرها عندما تنفتح الرغبة في ابتكار نكهات جديدة: قاموا بتعليمي كيف أشعر عندما يكون الطعام لذيذًا.


بجعة على الرف/مزنة بشارة (مدوّنة وعضوة في طاقم المحتوى في أسيف)

رسوم اوريت اريف

مزنه بشاره من طاقم المضمون في اسيف وصاحبة مقالات “مطبخي الفلسطيني: قصص عائليه وتاريخيه”

آخر ما كنت تتوقّع إيجاده في مطبخ عربي قروي في سنوات الثمانين هو كتاب طهي. كان التصوّر السائد أن المرأة ليست بحاجة إلى كتاب لتعليمها كيفية تحضير الطعام لأسرتها. بل تحتاج إلى جدة، أم، خالات وعمّات؛ بمساعدتهن ومن خلال الطهي المشترك، مرّت تقاليد الطبخ بشكل طبيعي وتغلغلت في كلّ خلية في جسمنا منذ الطفولة.

في مطبخ أمي التقليدي إلى حد ما، لم تكن الأشياء مختلفة تمامًا، باستثناء الحقيقة الصغيرة المتمثلة في وجود كتاب طهي لروث سيركيس على الرف، “من المطبخ مع كلّ الحب”.

استعمل الكتاب في منزلنا ككتاب طبخ وكتاب للأطفال. قضيت أنا وأخواتي ساعات طويلة نتصفح صفحاته، ونتخيل تناول وجبات “كما في الأفلام”: موائد طويلة مع وجبات ذهبية وأطباق مقدمة بالترتيب، قد كان هذا المفهوم مختلفًا وبعيدًا عن الوجبات المشتركة التي يتقاسمها كثيرون والتي عهدناها. أتذكر تحديدًا السندويشات بأشكالها المختلفة، كرة الجبن مع الجوز وطبق الدجاج الاحتفالي.

أثارت الرسومات التوضيحية والصور غدد التذوق لدينا، ولكن “لخيبة أملنا” كان علينا أن نكتفي بفطائر الزعتر أو السمبوسك بدلاً من ذلك. اعتدنا أنا وأخواتي البحث عن وصفات والتوجّه لوالدتي لسؤالها فيما إذا كانت تستطيع إعدادها، تكرّر السؤال مرارًا وخاصة فيما يتعلق بوصفة كعكات البجع التي لفتت انتباهنا. طالت المدّة إلى أن قررت والدتي الاستجابة لطلبنا، وعلى الرغم من أن عنق البجع لدينا ملتوي، مع رأس كبير جدًا وجسم مسطح، إلا أنني أتذكره حتى يومنا هذا على أنه واحد من أشهى الأطباق التي تناولتها على الإطلاق في حياتي.

من بين تشكيلة الوصفات المعروضة في الكتاب، والتي كان بعضها غريبًا بالنسبة إلينا، تبنت والدتي وصفتين لذيذتين وأضافتها لقائمة الأطعمة التي تعدها. الوصفة الأولى هي كعكة الجبن الغنية – التي تعدّها حتى يومنا هذا، مع تعديلات طفيفة تتماشى مع عصرنا اليوم، كاستبدال المارجرين بالزبدة والجبن الأبيض بالجبن الكريمي. الوصفة الثانية هي الغولاش الهنغاري، الذي انتقل إلى جميع نساء الأسرة مع “إضافة اللمسة العربية” بإضافة الفاصولياء، الهيل، البهارات والجذور. أصبح أحد الأطباق الثابتة في مطبخ جدتي.

اليوم أيضا، بعد اكتسابي لساعات من الخبرة في المطبخ، وعلى الرغم من أن رف الكتب في مطبخي مليء بكتب الطبخ من جميع أنحاء العالم، لا زلت أستعين بكتاب “من المطبخ مع كل الحب” وأقوم بإعداد وصفات منه مع بعض التعديلات. قمت مؤخرًا بإعداد كعكات البجع وكانت لذيذة جدًا، كما أذكرها تمامًا.

المزيد من المقالات من مجلة اسيف