كتاب الملذّات

“كتاب ملذات” عاموس كينان

الشيف يسرائيل أهاروني والطاهية هيلا ألْبرت في محادثة عن “كتاب الملذات”، لعاموس كينان.

طاقم أسيف |

حتى نفهم ما كان مختلفًا ومبتكرًا في نشر “كتاب الملذات”، علينا أولاً أن نفهم الظروف والأجواء التي كانت سائدة عندها: بعد مرور عقد تقريبًا على فترة التقشف وسياسة التقنين وبعد ثلاث سنوات من حرب الأيام الستة. “كانت كتب الطبخ في تلك الفترة شيئًا آخر تمامًا،” يقول الشيف يسرائيل أهاروني في إطار مشروع أسيف لاسترجاع وصفات من الكتاب، “عدا عن أن كتب الطبخ آنذاك كانت مكتوبة بصيغة المؤنث، وليس الجمع كما جاء في كتاب كينان، كان الهدف منها في الأساس غذائيًا واقتصاديًا: كيف توفري في الإنفاقات، كيف تغذّي عائلتك، كيف تستخدمي الأكل البايت، وكيف تحضري الباذنجان بطعمة الكبدة; لم تحتوِ هذه الكتب على التلميح حتى لفكرة أن من الممكن الاستمتاع بالطعام”.

كان أهاروني في التاسعة عشر من عمره عندما صدر الكتاب، وهو يذكر أنه كان مفاجأة كبيرة “كتاب يتحدث عن اللذة ولا شيء غيرها; عن النبيذ، عن فواكه البحر. أتذكر أني فكرت “واو – من أي كوكب هبط إلينا هذا المخلوق؟” أعترف أني لم أفهم نصف ما جاء فيه آنذاك، كما لو كان كتاب خيال علمي. لم يسبق لي أن سمعت عن الأشياء الموصوفة فيه حتى تلك اللحظة”.

“غمرنا عاموس كينان في كتابه هذا بعكس تام لكل ما عشنا بحسبه وكل ما اعتدنا وتربينا عليه”

يسرائيل أهاروني

كان عاموس كينان روائيًا، كاتبًا هزليًا ومسرحيًا، شاعرًا، مترجمًا، رسامًا، ونحاتًا إسرائيليًا. “كان عاموس كينان شخصًا مميزًا غمرنا في كتابة هذا بعكس تام لكل ما عشنا بحسبه وكل ما اعتدنا وتربينا عليه”، يقول أهاروني.

مع ذلك، لم يحظَ الكتاب عند صدوره برواج ونجاح في المبيعات، وقد يكون انتشاره قد اقتصر على البوهيميانيين في تل أبيب. ليس من الصعب فهم الأمر حيث إنه لم يكن كتابًا يخاطب الجمهور العام، خاصة في تلك الأيام. “لم يكن هذا كتاب طبخ ولا أهمية للطبخ فيه حقًا،” يضيف أهاروني، “لم تكن أهميته في وصفاته، بل في توثيقه وتصويره للحقبة إياها”.

“على فكرة، المسؤولة عن هذا التغيير وترسيخ النظرة إلى الطعام كمصدر للذة كانت روت سيركيس، التي أصدرت بعد ذلك بعدة سنوات كتاب “من المطبخ مع كل الحب”، المليء بصور ملونة تظهر لقرائه أن الطعام أسلوب ونمط الحياة وأن من الممكن، ومن المفضل، الاستمتاع به”. من هذه الناحية فإن كتاب سيركيس مؤشر مهم في ثقافة الطهي والطعام المحلية، رغم أنه، مثل كافة الكتب التي سبقته، مكتوب بصيغة المؤنث”. يقول أهاروني ويضيف، “في مقاربته المعاكسة، والمعارضة حتى لتلك الفترة كما قد يقول البعض، يثبت عاموس كينان أنه المختلف الذي يدل على الشائع; نجح الكتاب باستيراد عبق ما أجنبي لم يكن مألوفًا لنا. يسافر الناس اليوم إلى خارج البلاد ويعرفون أكثر من هذا بكثير، لكننا لم نعرف ما هو البيف بورجينيون حتى، هذا عدا عن الفكرة التبذيرية لطبخ لحم البقر بالنبيذ الأحمر”.  

“عبق ما أجنبي لم يكن مألوفًا لنا”، يسرائيل أهاروني. رسم: روتم بيكسنشفنر

من المرجح أنه كان سيبدو غريبًا وغير عادي، حتى لو طبِع اليوم أيضًا، لاحتوائه على وصفات تستخدم موادًا ليست كوشر. يبدو أننا قد تقدمنا كثيرًا في مجال الطهي لكننا ما زلنا محافظين، أكثر من ذي قبل ربما.  

“لا شك في ذلك. لا يمكنك إصدار كتاب طبخ يحتوي على مواد ليست كوشير اليوم وتحقيق نجاح تجاري. كان الأمر مختلفًا أيام زمان. لا شك في أننا متوجهين نحو التديّن. في ملحمتنا في شينكين في مركز تل أبيب على سبيل المثال، لا نبيع اللحم الأبيض، بينما كان لحم الخنزير في الماضي أكثر اللحم مبيعًا في مطاعمي”.

“كانت إسرائيل في الثلاثينيات مليئة بلحم الخنزير الذي كان المهاجرون من ألمانيا يبيعون النقانق المصنوعة منه في الشارع”، تقول صحافية الطعام، هيلا ألبرت، “لكن اليوم، ونتيجة سيرورات وخطوات سياسية والخضوع للمؤسسة الحاخامية، أصبح لحم الخنزير نادرًا من غير المقبول تناوله، طهيه، أو توزيعه في الحيّز العام”.

“أصرّ كينان في كتابه على الحفاظ على لغة عبرية عالية وسليمة، حتى عند كتابته عن أطعمة غير كوشير بتاتًا”، تضيف ألبرت، “أعطى كينان أسماء عبرية لجميع الفواكه البحرية وغيرها من المكونات، لكنهم غيروا أسماء هذه المكونات في الطبعة الثانية للأسف إلى أسماء أجنبية”.

“بالنسبة لفتاة نشأت في كيبوتس مثلي، كان الكتاب بمثابة إذن للتوق لأشياء كهذه; للمتع والملذات والرغبة بعيش حياة مختلفة عما كنت محاطة به”

هيلا ألبرت

 

من المؤكد أن المواضيع التي تناولها الكتاب، بالإضافة إلى أسلوب الكتابة، لم تكن شائعة آنذاك، لكن ذلك لم يأتِ من فراغ. “حدثت في بداية السبعينات تغييرات ثقافية كثيرة،” تقول هيلا، “حتى في الشعر، لم نعد نرى “موطني بلادي” بل “أنا وأنت سنغير العالم”. بدأنا نلحظ في هذه الفترة اهتمامًا بالفرد على حساب الجماعة، بالإضافة إلى أن الصحافة بدأت تكتب عن مطابخ الجاليات اليهودية بجدية ومن منطلق رغبة صادقة بتعلم وصفاتها وليس لمجرد تنصيبها واجهة لبوتقة الانصهار. ما حدث لعاموس كينان حدث للعديد من المبدعين الآخرين في مختلف المجالات: إنشاء أجندة جديدة. قد يبدو لنا هذا مفهومًا ضمنًا اليوم لكنه لم يكن كذلك سابقًا”. 

أي ردود كان سيتلقاها الكتاب لو صدر اليوم حسب رأيك؟  

“لم يكن عاموس كينان ليكتبه اليوم على خلفية الانشغال المتواصل والمهووس بالأكل والطعام. ثقافة الطعام، التي كان الانشغال بها رائدًا آنذاك، هي في قلب الميينستريم اليوم. الجميع يتحدثون اليوم عن الأمور التي كتب عنها كينان آنذاك: على الشبكات الاجتماعية، على وسائل الإعلام وفي كل مكان. أنا متأكدة من أنه كان سينزعج من إعجاب الكثيرين من الناس بالكتاب. علينا أن نفهم أنه كان يحب الاستفزاز وطرح أسئلة تختلف عما من المقبول والشائع طرحه والتحدث عنه. كان “كتاب الملذات” مختلفًا وفريدًا من نوعه، لكنه لم يكن سيتناول الطعام اليوم; ربما كان سيكتب “كتاب ملذات الصوم”.

ما الذي كان ثوريًا في الكتاب بنظرك؟ 

“لم يكن الكتاب ثوريًا بأي شكل من الأشكال، بصراحة. كنا نريد أن نمنحه قوة ما بنظرة استرجاعية، لكنه لم يحظَ بالشعبية آنذاك ككتاب سيركيس “من المطبخ مع كامل الحب” على سبيل المثال. لمس هذا الكتاب أشخاصًا معينين وأضفى الشرعية على أشياء كانت أقل شرعية بكثير”.

مثل ماذا؟ 

“قدم الكتاب نموذجًا نسائيًا بديلًا. كانت في عائلتي نساء حظين بالشرعية فجأة. بالنسبة لفتاة نشأت في كيبوتس مثلي، كان الكتاب بمثابة إذن للتوق لأشياء كهذه; للمتع والملذات والرغبة بعيش حياة مختلفة عما كنت محاطة به. نظرة الكتاب للنساء في تلك الفترة – واو. المرأة الصالحة، حتى ذلك الوقت كانت المرأة المقتصدة والمجتهدة، لكن كينان يقول للنساء في كتابه أن تستمتعن بالحياة; ألا تطبخن، بل أن يطبخوا من أجلهن”

“ليس الكتاب كتاب طعام، بل كتاب زِن حسب رأيي. فكر في المزاج السائد في إسرائيل آنذاك، بعد حرب الأيام الستة. العديد من الأموات والضحايا وهو يقول دعونا نأكل جيدًا، أليس هذا ما أوصونا به في موتهم؟ هي نصيحة، أو دليل، للطريقة المثالية للعيش. صادفت الكتاب لأول مرة في العام 1974. كنت أستلقي وأنظر إليه مثل صبي يسترق النظر لمجلة بلايبوي.”

“قدم الكتاب نموذجًا نسائيًا بديلًا” هيلا ألبرت. رسم: روتم بيكسنشفنر

أسيف في لفتة لـ “كتاب الملّذات” 

واحدة من الأمسيات الأولى التي عقدها أسيف تناولت “كتاب الملذات” من وجهة نظر هيلا ألبرت والفنانة رونا كينان، وهي ابنة الكاتب عاموس كينان. “بداية، أعتقد أن من الممتع تنظيم حدث يتمحور حول كتاب اسمه “كتاب الملذات”، تقول ميخال لافيت، منسقة الأحداث في أسيف، “لا تنبع أهمية “كتاب الملذات” الثقافية من الكتاب نفسه فقط، بل من شخصية عاموس أيضًا التي تجسد أزمة وصراعًا في الهوية الإسرائيلية، لكن يمكننا في الوقت نفسه أن نرى بهذا الصراع شيئًا جميلًا وصادقًا يمكننا الاعتماد عليه، أو أن يكون لنا نقطة انطلاق لطرح الأسئلة عن الإسرائيلية عامة وعن الطعام الإسرائيلي خاصة.” 

السؤالان الرئيسيان المتعلقان بتشكيل الهوية الإسرائيلية هما مسألة الزمان، آنذاك والآن، والمكان – هنا وهناك. يحتوي الكتاب على عدة وصفات من مطابخ كانت بعيدة وغريبة عندها ترجم أسماءها للعبرية وقدمها للجمهور الإسرائيلي، متأرجحًا بذلك على المحور، أو التوتر، بين المحلي والعالمي. “نعيش اليوم في عصر من الواضح فيه أن الطعام المحلي يعبر عن هويتنا، ولكن كل ما نرى به مفهومًا ضمنًا اليوم كـ “إسرائيلي” أو “محلي”، لم يكن أمرًا مفروغًا منه آنذاك” تقول ميخال.

“تربط الأمسية بين امرأتين في غاية الأهمية”، تقول ميخال، “اهيلا ألبرت، وهي بنظري الناطق الرسمي لمتع الحياة وتوقها للمعرفة والذكريات; ورونا كينان، ابنة مؤلف الكتاب، فنانة موهوبة وذكية لعملها أهمية كبيرة في الثقافة الإسرائيلية. هذا العرض هو لفتة للكتاب ولمن كتبه، للأسئلة التي نطرحها اليوم حتى عند قراءته عامة وعن المطبخ الإسرائيلي عامة.”

بالإضافة إلى هيلا، تواصلنا مع أربعة طهاة كبار: حايم كوهن، يسرائيل أهاروني، أساف دوكتور، ويحي زينو; حتى يطهوا وصفات مستوحاة من كتاب الملذات; على سبيل المثال، طهى حايم كوهن طبق بورجينيون محلي مع عنب الموسكات بدلاً من النبيذ الأحمر، بينما يعيد يسرائيل أهاروني اختراع الدجاج المسلوق ويحضّره مع تأثيرات فرنسية وصينية. 

إضغطوا هنا للمزيد من الوصفات المستوحاة من “كتاب الملذّات”