Egg dish called pashtida in green ceramic bowl
צילום: נועם פרייסמן

 التحوّلات العديدة التي طرأت على الباشتيدا الإسرائيلية

من العصور الوسطى وحتى عصر محرّكات البحث، تعمّقنا في مجموعات مكتبة أسيف الطهوية لمعرفة تاريخ الباشتيدا الإسرائيلية- ولنكتشف لماذا تعتبر الباشتيدا الطبق المحبّب على قلوب الإسرائيليين.

رونيت أفيدان شاينفيلد |

في إسرائيل، توجد لدى كل عائلة تقريبًا وصفة باشتيدا مفضلة. طواجن بسيطة متراصة ومكوّنة من البيض وأية خضروات متبقية فقدت نضارتها بسبب حفظها في الثلاجة لوقت طويل، آخر ملعقة من جبنة الكوتاج وبقايا الأرز والنودل. عند خَبز هذه المكونات معًا، فإنّها تصبح، بطريقة أو بأخرى، أشهى وأروع من مجموع مكوّناتها. 

بالإمكان خبز الباشتيدوت (جمع باشتيدا) مسبقًا أو حتى إذا كانت مجمّدة، وبالإمكان تناولها كطبق جانبي باعتبارها وجبة خفيفة. إنّها الوجبة العملية المثالية. لهذه الأسباب وأخرى غيرها، يعشق الإسرائيليون هذا الطبق إلى هذا الحد، تقول روث سيركيس في كتاب الطهي الذي ألفته “باشتيدوت عولاميوت” (فطائر عالمية).

بالنسبة للبعض، فإنّ المصطلح باشتيدا يتضمن أيضًا فطائر البيض والكيش، ولكنّ جذور الفطيرة الإسرائيلية المتخمرة الشائعة تعود إلى مختلف المطابخ الإسرائيلية حول العالم. كما يشير جيل ماركس في  “موسوعة الأطباق اليهودية“، بحلول العصور الوسطى، كانت الباشتيدا- كما سميت في حينه- قد أصبحت طبقًا أساسيًا في ولائم يوم السبت لدى الجاليات اليهودية الأوروبية.  

كانت مكوّنة أساسًا من طبقتين من العجين وبينهما حشوة، وتطورت لاحقًا لتصبح رمزًا للحصة المضاعفة من المنّ التي أطعم بها بنو إسرائيل في الصحراء يوم السبت. كانت الحشوة تحضّر من لحم الضأن وأحيانًا السمك، بينما استخدمت الأجبان والخضروات الموسمية في شهور الربيع والصيف.

احد الاطباق الأساسيه في ولائم يوم السبت لدى الجاليات اليهودية الأوروبية.  تصوير نوعام بريزمان

يقدم مجمع اللغة العبرية عدة شروحات حول جذور كلمة باشتيدا. وفقًا لأحد الشروح، استخدم مفسّر التوراة والتلمود القدير، الحاخام شلومه يتسحاقي، والمعروف باسم راشي، هذا المصطلح في فرنسا في القرن الحادي عشر، ليصف نوع مخبوزات محشو باللحم في الرسالة التلمودية بيساحيم؛ قد تكون كلمة باشتيدا مشتقة عن الكلمة الألمانية باستيت، وهي مخبوزات اللحم المكسوة بالعجين، مثل فطيرة لحم الخنزير الفرنسية (pâté en croûte). يشير المجمع أيضًا إلى أنّ الكلمة مستخدمة كثيرًا في مراجع الهالاخاه أيضًا. 

وفقًا لعالِم اللسانيات، ألون جلعاد، فإنّ الحاخام نتان بِن يحيئيل من روما، والذي عاصر راشي، كان أول من استخدم هذه الكلمة. يشير ماركس أيضًا إلى ذلك، ويشرح أن يهود إسبانيا في العصور الوسطى كانوا يستمتعون بتناول فطائر كبيرة تُدعى باستيدا، وهي تحوّل بنيوي للكلمة اللاتينية pastillius (بمعنى “فطيرة صغيرة” أو “رغيف صغير”). أدخلت الكلمة إلى اللغة العبرية عن طريق اللادينو (الإسبانية اليهودية) على شكل “باستيل”، ومعناها فطائر صغيرة مقلية.

وبينما تعود هذه المفردات عامةً إلى فطائر محشوة باللحم، فإنّ الطبق الإسرائيلي يكون غالبًا نباتيًا.  في منطقتنا التي يسودها مناخ حار لنصف السنة تقريبًا، فأنّ “الباشتيدوت” الحالية هي استنساخ للوصفات الربيعية والصيفية لأجدادنا الأوروبيين. 

ولكنّ القصة لم تنته بعد. وفقًا لماركس، ساهم شح اللحوم في عام 1550 في لابتكار وصفات جديدة من فطيرة السبت التقليدية. بانتقالها نحو الشرق، استبدلها اليهود الأشكناز بالكوجل، وهي أساسًا فطيرة مصنوعة من النودل والبطاطس. استمر اليهود السفارديون بصنع فطائر صغيرة محشوة باللحم، مثل الإمبانادا والبوريكس. أعيد إحياء الباستيدا الأصلية، التي كانت على وشك الانقراض، في العقود الأولى لدولة إسرائيل الفتية، بحيث أصبحت تدريجيًا، باسمها الجديد المحدّث، “باشتيدا”، طبقًا أساسيًا في احتفالات عيد الأسابيع.

يحتوي كتاب الطهي “إيخ ليفاشيل بيزمان ميلحاما؟” (“كيف نطبخ خلال الحرب”؟)، الذي صدر في علم 1942، قبل قيام دولة إسرائيل، مجموعة وصفات لوجبات مشبعة وغير مكلفة. يوصى الكتاب باستخدام بقايا الخبز والبصارة لتحضير الفطائر. تظهر في قوائم الطعام اليومية ثلاث باشتيدوت مصنوعة من الخبز، السَميد أو الأرُز والنودل؛ بينما تم تحضير فطيرة الجبن خصيصًا لمائدة يوم السبت والأعياد.

تنبع أهمية الباشتيدا الإسرائيلية من حاجتنا لإنتاج أكبر قدر ممكن من بقايا الطعام ومن قدرة هذا الطبق على احتواء أي شيء بكل سهولة. تصوير نوعام بريزمان

في الوقت الحالي، تنبع أهمية الباشتيدا الإسرائيلية من حاجتنا لإنتاج أكبر قدر ممكن من بقايا الطعام ومن قدرة هذا الطبق على احتواء أي شيء بكل سهولة. يُجيد الصحافي الطهويّ جيل حوفاف تلخيص الفكرة في منشور له على فيسبوك من عام 2021 : “يا للعجب، نحاول ابتكار شيء جديد، نبحث عن الإلهام في الكتب وعلى شبكة الإنترنت، نسأل، نراقب، نسرق، نضيف لمستنا الخاصة، نُنتج من جديد ونخترع. ننجح أحيانًا ونخفق في أحيان أخرى. ولكن عندما نحضّر باشتيدا مما يوجد لدينا في الثلاجة (بما في ذلك بقايا الأرز من وجبة يوم أمس) – بينغو!

الباشتيدوت هي جزء لا يتجزأ من المطبخ الإسرائيلي، ولدى كل عائلة وصفتها المفضّلة. ظلّت وصفات الباشتيدوت الجديدة تشغل مكانة مركزية في كتب الطهي الإسرائيلية، بحيث تعكس مكوّناتها المكوّنات المتاحة والنزعات الطهوية العصرية.  

كتب الطهي الأولى المخصصة كليًا لهذا الموضوع نشرت في الثمانينات، أولًا في كتاب بيني صايدا، تلاه فورًا كتاب كوبي بار، والذي نشر بالمجمل ثلاثة كتب مخصصة للفطيرة الشعبية. ساهم كتّاب آخرون مثل روث سيركيس، نيرا روسو، حانا شاؤولوف، تسيبورا كريزمان ودانيت سالومون في إثراء مكتبة الباشتيدوت الطهوية.

تصوير نوعام بريزمان

تحتل وصفات الباشتيدوت مكانة مركزية على محرك البحث جوجل على مدار السنة، ولكن وتيرة البحث تتضاعف خلال عيد الأسابيع، حيث تقضي العادات بتناول وجبات مصنوعة من منتجات الألبان. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الباشتيدا طبقًا أساسيًا على مائدة عيد الأنوار، بحيث تقدم مع الكعك المقلي والسوفجانيوت بعد إضاءة الشموع. 

لمناسبة عيد الأسابيع لهذا العام، طلبنا من خمسة شيفات وكتّاب طهويين مشاركتنا وصفة باشتيدا عائلية أو شخصية، وقصص هذه الوصفات. حدّثتنا مؤلفة الكتب الطهوية الشهيرة عدينا سوزمان عن الباشتيدوت التي كانت تحضّرها والدتها لاستخدام بواقي الأجبان من مصلحة تجارية صغيرة لصناعة منتجات الألبان الكوشير، والتي أدارتها عائلتها في مرأبهم في كاليفورنيا. يستذكر الفائز في برنامج ماستر شيف هيلل غاردي باشتيدونت الكوسا البسيطة التي وجدتها عائلته في ثلاجة جدته بعد وفاتها. 

بغض النظر عن الوصفة، ستجدون دائمًا قصة ما وراء كل باشتيدا.