ليس البرتقال اليافاويّ فقط – عن الحمضيات والفواكه المحليّة / طاقم أسيف

تحوّلت الحمضيات منذ قيام الدولة إلى رمز محليّ، بالرغم من أنّ أصلها يعود لمنطقة جنوب شرق آسيا. إذا، ما الذي يجعل من الفاكهة محليّة؟ كيف نجعل من فاكهة الجريبفروت، أقلّ مرارة أو كيف ننتج ثمار مندلينا بدون بذور – ولماذا نقوم بذلك أصلا؟ خلال محاضرة أُقيمت في إطار “يوم أسيف – محليّات” (יום אסיף – מקומיות) في قاعة المطبخ التجريبيّة في أسيف، واشتملت على تذوّق لأنواع من الحمضيات لم تسوّق بعد، حصلنا من باحثي الحمضيات في معهد فولكاني، على إجابات لهذه الأسئلة جميعها، ولغيرها من الأسئلة كذلك.

ايلي بئيري وميخال لفيت |

“الحمضيات نتجت من ثلاثة أصول قديمة: المندلينا، البوملي والأترج (الليمون طبيّ)”، هكذا افتتح د. رون بورات محاضرته – وهو باحث في قسم أبحاث المنتوج الزراعي في معهد فولكاني، والمهتمّ في أبحاثه في تخزين الحمضيات، الرمّان والجوّافة، ضياع وتبذير الطعام، وكذلك بطعم الفواكه ورائحتها. ” البرتقال، مثلا، هو تهجين بين المندلينا والبوملي. الجريبفروت هي نتاج تهجين بيت البوملي والبرتقال، والليمون هو نتاج تهجين بين الأترج والبرتقال المرّ، والبرتقال الحمضيّ هو نتاج تهجين بين البرتقال الصينيّ والأترج. إلى جانب هذه الأنواع، هناك الكثير من الطفرات الطبيعية، كالجريبفروت الوردي مثلا، والأحمر، والخالي من البذور”.

تذوق انواع الحمضيات، تصوير اورن شاليف

ثمار الحمضيات أصلها من منطقة جنوب شرق أسيا، ومن هناك انتشرت لجميع أنحاء العالم. خلال فترة إقامة الدولة، ما يقارب %98 من التصدير الزراعي كان يعتمد على البرتقال “الشموطيّ” الذي اكتشف في يافا خلال القرن الـ -19. “شكله اسطوانيّ طويل، سهل التقشير، وسمّي على اسم المكان الذي اكتشفت فيه – “يافا”. لاحقا تحوّل هذا الاسم لماركة تجارية لقطاع الحمضيات في إسرائيل. ولأنّ الحديث يدور عن ثمار شبه -استوائية، فإنّ ظروف المناخ المحلية في إسرائيل مناسبة جدا لزراعتها”.

عرض الحمضيات في مقهى اسيف، تصوير اورن شاليف

كيف يتمّ تحسين الحمضيات؟  

كشف د. بورات أمامنا، الطرق المتبعة في معهد فولكاني لفحص روائح الفواكه وطعهما، حيث تعدّ الحلاوة (التذوّق)، الحموضة والمرارة، هي الحواسّ الأبرز من بين الحواسّ الخمس، والروائح المذهلة مركّبة من عشرات الموادّ المتطايرة القابلة للقياس في المختبرات. وهذا عمليا هو مجال عمل د. بورات.

عملية تحسين الحمضيات في إسرائيل بدأت قبل قيام الدولة، وما يطلق عليه في اللغة المهنيّة “استحداث” أنواع من دول مجاورة ومعاينة طفرات طبيعية. ابتداء من سنوات الـ -70، ومن خلال الإصغاء لاحتياجات المستهلكين والمزارعين، وفي ظلّ أزمة المناخ المتزايدة – بدأ باحثو معهد فولكاني بإجراء تهجينات جديدة التي تبيّنت بأنّها قوية، صحية ولذيذة أكثر. الحديث يدور عن عملية طويلة ومركّبة: ” خلال عملية التحسين التقليدية، النوع الممتاز يمرّ بعملية إضافية من التطفير (تبديل الطفرة) لفحص أنواع وأنماط خالية من البذور ومريحة للاستهلاك”. على حدّ أقوال د. بورات فإنّ الحديث لا يدور عن عملية بسيطة، وأحيانا قد تكون طويلة ومرهقة. “من بين آلاف الشتلات، ستُعتمد شتلة واحدة مناسبة فقط أو اثنتين، ومن ثمّ، علينا أن ننتظر ما بين سنتين حتى ثلاث سنوات لنموّ الثمار الأولى”. وهنا من الممكن كذلك، أن تتعقّد المسألة: “من المحتمل أن تكون الثمار، خلال السنة الاولى، خالية من البذور، وهذه هي النتيجة التي نطمح إليها عمليا. لكن هذا الأمر لا يضمن عدم تغيّر الثمار تماما، في السنة التالية”.

مقابل العمل على تحسين الأنواع المعدّة للسوق – في معهد فولكاني يعملون، خلال العقدين الأخيرين على أبحاث بطرق تحسين متقدّمة أكثر – وهي مقتصرة في الوقت الراهن على أهداف بحثية فقط، وليست تسويقية. “في الهندسة الوراثية، على سبيل المثال، يمكننا أن نحقن النباتات بجينات محدّدة، وأن نجعل من هذا النوع الممتاز أحمر، أو نغيّر وقت القِطاف. الهندسة الوراثية تتيح المجال لأخذ جينات من أنواع مختلفة والدمج بينها – وهي العملية غير الممكنة بتاتا في عملية التحسين التقليدية”. ومع ذلك، يشير بورات بأنّه “من أبرز سيئات الهندسة الوراثية هي معارضة الجمهور – وفي أوروبا بصفة خاصة – لزراعة وتسويق أنواع معدّلة وراثيّا”.

من عرض مؤسسة فولكاني في يوم اسيف

الإعداد الجينوميّ، هي عملية تحسين التي تتمّ بواسطة تكنولوجيا Crispr، والتي منحت الباحثات اللواتي طوّرنها، جائزة نوبل في الكيمياء عام 2020. “هذه الطريقة تتيح المجال لإنتاج طفرات موجّهة في مكان محدّد، بدون دمج DNA، ولأنّها مقبولة في العالم وفي أوروبا – سيكون من الممكن استعمالها كذلك في السوق الأوروبيّ”. كذلك الثمار الناتجة بطريقة الإعداد الجينوميّ لا يمكن تذوّقها، وفي معهد فولكاني يستعملون هذه التكنولوجيا لأهداف البحث فقط.

بعد انتهاء المحاضرة تذوّق المشاركون خمسة أنواع من ثمار الحمضيات المختلفة: البداية كانت مع المندلينا الشرق أوسطية المعروفة، التي كانت تزرع سابقا في ساحات البيوت في البلاد، ومن ثمّ البوملي الحمراء “راديسون” – التي انتجت من خلال تهجين موجّه بين البوملي والجريبفروت. يقول د. بورات موضّحا: “الحديث يدور عن البوملي الحمراء الخالية من البذور الوحيدة في العالم”. “فيها مرارة لذيذة، غنية بالعصير، وتبدأ خلال هذه الفترة مرحلة تسويقها التجاريّ في البلاد”. ومن ثمّ تذوّق المشاركون النوع الجديد “عاليزا”، المهجّنة من البوملي والمندلينا. ” الحديث يدور عن ثمرة ذات شكل خاصّ بلون ذهبي يميل إلى الخردليّ. خالية من البذور، مذاقها خاصّ، وفيها أكبر نسبة من العصير من بين كافة أنواع الحمضيات. يمكن القول بأنّها نوع جديد من الحمضيات. ولأنّها نوع جديد، فإنّ عملية تسويقها صعبة، ولذلك لا يمكن أن نجدها في الحوانيت، لكن في هذه الأيام يحاولون تسريع عملية تسويق نوع “عاليزا” في إسبانيا”. ومن ثمّ تذوّقنا ثمرة الليمون الخالية من البذور “أييلت” – التي أثبتت نفسها كمقاومة لوباء المليسكو(מלסקו)، الذي يهاجم بساتين الليمون في البلاد، وكذلك أنواع جديدة من المندلينا، اللذيذة والخالية من البذور، التي تُعتمد للزراعة التجارية خلال هذه الفترة.

ردسون سويتي، تهجين بين البوملي والجريب فروت،تصوير اورن شاليف

“لماذا علينا أن نجري علمية التحسين أصلا؟” سؤال موجّه لد. بورات وزميله يوسي ينيف، مهندس بحث في مشروع تحسين الحمضيات في معهد فولكاني، الذي أحضر ثمار الحمضيات للتذوّق مباشرة من البساتين، صبيحة المحاضرة وإقام معرض الحمضيات في “مقهى أسيف” خلال اليوم. “هدفنا في المعهد، هو إنتاج أنواع أفضل. الأهداف التي حدّدناها، هي مثلا، إطالة موسم القطف؛ إنتاج انواع مندلينا ممتازة؛ إنتاج أنواع خالية من البذور؛ إنتاج أنواع حمراء اللون والتي تعدّ صحيّة أكثر؛ إنتاج تهجينات جديدة وخاصة إنتاج أنواع شبيهة بالجريبفروت وخالية من البورنوكومرينيم (פורנוקומרינים) (وهي موادّ طبيعية موجودة في الجريبفروت والبوملي، التي يمكن أن تكون سامة للأشخاص الذين يتناولون أدوية، مثل دواء الستاتين. نحن نقوم بعملية تحسين الحمضيات المحلية بشكل متواصل، ومن جوانب متعددة – وكلنا فخر واعتزاز بما نقوم به”.


المزيد من المقالات من مجلة اسيف