Man in black shirt cooking an early morning meal in his workshop during Ramadan

قبيل بزوغ الفجر وساعة الإمساك، يبدأ الصائمون يومهم خلال شهر رمضان بوجبة السحور.  هناك مَن يرى أنّ السحور هو إحدى اللحظات الأجمل والأروع خلال شهر رمضان.

يُعدّ رمضان بالنسبة للمسلمين في شتّى أنحاء العالم أهمّ فترة في العام  فخلاله يسود ترابُط قويّ بين أفراد العائلة والمجتمع، وأيّامه كلّها نقاء وطهارة وإحساس بمعاناة الآخر، وخلالها يفتتح الصائمون يومهم بالصوم وينتهي بوجبة عائليّة كبيرة عند حلول الظلام.  وكما قد أشارت مُزنة بشارة في مقالها عن رمضان، الكثير من المسلمين ينشغلون خلال هذه الفترة بتبادُل وصفات الطعام والحلوى وبتحضير وجبات الإفطار التي تستمرّ عادةً حتّى ساعات قبل منتصف الليل وتنتهي بالحلوى اللذيذة التي تؤكل في ليالي رمضان مثل القطايف..

هذه المرّة اخترنا أن نُسلِّط الضوء بالذات على بداية اليوم الذي يُفتَتَح بالسحور.  هذه هي الوجبة التي يتناولها الصائمون في كلّ صباح قبل الإمساك وقبل بزوغ الفجر بقليل . المُصوِّران شروق عزايزة من الناصره  وَعُدَي يعيش من نابلس وثقوا افرادا وعائلات يتناولون سحورهم ، بينما لا يزال الجوّ في الخارج مُظلمًا والأولاد الصغار الذي سهروا ما زالوا نائمين والشوارع هادئة وخالية من الناس. 

اخوين ياكلون في الخارج/تصوير شروق عزايزه

  • "أجمل اللحظات هي قبل شروق الشمس بدقائق. نحن ننتظر سماع الأذان الذي يعني أنّه علينا الإمساك عن الطعام، عندها لدينا دقيقتان فقط للاستمتاع بالسيجارة الأخيرة قبل يوم صوم طويل"، هكذا يصف هادي - ابن السبعة والعشرين عامًا من الناصرة- اللحظات التي بين الانتهاء من وجبة السحور التي يتناولها في كلّ صباح خلال شهر رمضان وبين الإمساك. هادي يعمل في ترميم البيوت وهو الابن البكر في عائلة كبيرة. منذ أن تركهم والدهم عندما كان في الثامنة من عمره هو الذي يهتمّ بأفراد عائلته، وعندما بلغ 14 عامًا بات هو وأمّه يُعيلان العائلة. والآن انضمّ إليه أيضًا أخوه الصغير للعمل معه في ترميم البيوت. خلال شهر رمضان يحرص كلاهما على الخروج من البيت قبل شروق الشمس وساعة الإمساك.

    Two men eating an early morning meal during Ramadan
  • "الذهاب إلى العمل باكرًا خلال شهر رمضان هو الخيار الافضل، لأنّنا عندها نعمل في ساعات مريحة لا يمكن للجوع والحرّ أن يؤثِّرا علينا بها". وهما في طريقهما إلى موقع البناء يتوقّفان ليأكلا ما حضّرته لهما أمّهما: " بشكل عامّ تُحضّر لنا أمّنا طعامًا خفيفًا كاللبنة مع القليل من زيت الزيتون، الخضروات، الخبز والحلاوة التي تُعتبر إلزاميّة في رمضان لأنّها تقلّل العطش وتزوّدنا بالطاقة. كما أنّنا نشتري مشروب التمر هندي فقط في رمضان، إذ لا يمكن إيجاده في الدكاكين في الأشهر الأخرى من السنة".

    Early morning meal during Ramadan
  • هما لا يتذمّران من صعوبة الصوم والعمل في آن واحد، بل بالعكس: "نحن نشكر الله على أنّه لدينا عمل الآن. نحن نصوم على الرغم من العمل الجسمانيّ الشاقّ حمدًا وامتنانًا لله الذي بفضله نحن قادرون على كسب رزقنا وإعالة عائلتنا".

    Two men sitting in the dark eating a Ramadan meal

رجل وزوجته/تصوير عدي يعيش

  • قبل أن يخرج وفا حليحل إلى عمله في معمل تنجيد في إسرائيل، يساعد زوجته الحامل ويحضّر معها في مطبخ بيتهم في نابلس وجبة السحور. هو متشوّق لرؤية مولوده الجديد ولكنّه يؤكّد أنّ في ذلك مسؤوليّة كبيرة، ولذلك عليه الاستمرار في العمل وتوفير المال خلال شهر رمضان وعلى الرغم من التقييدات التي يفرضها الجيش الإسرائيليّ.

    Woman wearing a head covering and man eating an early morning meal during Ramadan
  • "نحن لا نعرف إذا كان الحاجز مفتوحًا أم لا وعمّا إذا كنّا نستطيع الوصول إلى العمل أم لا. هذا الأمر صعب للغاية لأنّ رزقنا ليس مضمونًا، ولكنّ الله يبارك مالنا في رمضان ولا أحد يبقى جائعًا"، يقول ذلك إيمانًا بالله وأملاً بقدرته.

    Hands reaching in for bites of a Ramadan meal
  • في الوقت الذي وضع فيه على الطاولة بيضًا وأجبانًا وخضروات طازجة وشايًا ساخنًا أخبرنا أنّه في الأيّام العاديّة يحرص على الخروج من البيت باكرًا أكثر كي يكون لديه الوقت الكافي للوصول إلى الحاجز واجتيازه الذي يستغرق الكثير من الوقت بسبب كثرة العمّال والفحوص الأمنيّة. ولكن خلال شهر رمضان يهمّه أن يفتتح يومه بتناول السحور مع زوجته، فهو يقول "إنّنا متديّنون، والنبيّ قال "تسحّروا فإنّ في السحور بَرَكَة"، لذلك يهمّنا ألّا نفوّت السحور أبدًا".

    Woman cooking at a stove in a home kitchen
  • بعد أن ينتهيا من تناوُل الطعام وقبل أن يخرج إلى عمله، هو يرجو أن يسمع الله صلواته: "يقولون إنّ الصلوات في رمضان مُستجابَة، لذلك أنا أصلّي كلّ يوم بأن تجتاز زوجتي الولادة بسهوله، وأن يكبر وينشأ ابننا في عالم أفضل ويعيش سعيدًا ومعافى في عالم يسوده الهدوء ، سعة العيش والسلام".

    Woman wearing a head covering and man eating an early morning meal during Ramadan

ام وابنها/تصوير شروق عزايزه

  • خلال شهر رمضان تستيقظ سهير من الناصرة، البالغة من العمر 50 عامًا، باكرًا جدًّا كي تحضّر لابنها أحمد وجبة السحور قبل أن يخرج إلى عمله كعامِل في البناء. "هو يحتاج إلى القوّة والطاقة كي يصمد في عمله الشاقّ خلال كلّ اليوم، لذلك أحضّر له وجبة خفيفة ممّا يتوفّر في البيت كالبيض والعجّة واللبنة والخضروات، ولا أحضّر له طعامًا مطبوخًا لأنّه سيكون ثقيلاً وسيجعله يعود إلى النوم"، قالت سهير ذلك ضاحكةً.

    Woman wearing a head covering and man eating an early morning meal during Ramadan
  • تُقدِّم له اللبنة مع البطيخ البارد "لأنّه مليء بالماء والسكّر ويساعد على تقليل الشعور بالعطش"، أضافت قائلةً بأنّها تتساءل كيف ستتدبّر أمرها بدون بطيخ عندما يحلّ شهر رمضان في الشتاء بعد عدّة سنوات.
    تربّي سهير أولادها الستّة لوحدها منذ أن تطلّقت من زوجها قبل سنوات عديدة، وهي تبيع أكلاً بيتيًّا كي تعتاش، لذلك فإنّ المطبخ المتواضع الذي تجلس به مع أولادها لكي يأكلوا به هو أيضًَل مصدر رزقها.

    Woman wearing a head covering and man eating an early morning meal during Ramadan
  • بعد وجبة السحور تبدأ سهير بالطبخ لكلّ مَن اتّصل بها وطَلَبَ منها تحضير مأكولات معيّنة له كالفطاير والكبّة، فهذه المأكولات تُؤكَل دائمًا في رمضان وتتطلّب وقتًا كثيرًا لتحضيرها. ولكن قبل أن تبدأ بالعمل هي تستمتع بالهدوء من حولها: "اللحظة التي يؤذّن بها المؤذّن هي أجمل لحظة في أيّام رمضان، إذ تشعر كأنّ كلّ العالم يصمت ليسمع الأذان".

    Woman wearing a head covering and man eating an early morning meal during Ramadan

شاب في ورشة والده/تصوير شروق عزايزه

  • قبل أن يبدأ عبد يوم عمله في ورشة أبيه التي يصنع بها الشوادر، يُشعِل الغاز كي يُحضّر للسحور بيض عيون مع الكثير من زيت الزيتون الفاخر ويأكل إلى جانبها اللبنة والأفوكادو والخضروات الطازجة التي أَحْضَرَها من البيت، "وكذلك شاي النعنع الساخن الذي لا يمكن تناوُل السحور من دونه".

    Man sitting on milk carton cooking egg in a small pan for a Ramadan meal
  • يبلغ عبد 29 عامًا وهو من سكّان الناصرة. يعمل عبد مع أبيه منذ سنّ صغيرة ليساعده على إعالة العائلة وليوفّر القليل من المال للبيت الذي سيبنيه لنفسه ولعائلته المستقبليّة. "أنا أحبّ هذه الورشة، أحبّ أنّني أعرف بها كلّ شيء وأنّ كلّ ما فيها مُرتّب، ولهذا السبب أنا آتي إلى هنا باكرًا وأحضّر لي ولأبي وجبة السحور".

    Man in black shirt cooking an early morning meal in his workshop during Ramadan
  • هو يفضّل البدء بيوم العمل مباشرةً بعد السحور، إذ يمكنه هكذا أن ينهي معظم واجباته حتّى الظهر وعندها يمكنه أن يرتاح قليلاً ويمرّر الوقت حتّى حلول المساء. "أنا أحبّ كثيرًا هذا التوقيت في اليوم خلال شهر رمضان. بعد صلاة الفجر مباشرةً يبدأ الناس بالتوافد إلى الدكاكين وأماكن عملهم، وتسمعهم عندها وهم يتاهمسون ويقولون لبعضهم البعض صباح الخير ورمضان كريم".

    Man sitting on milk crate eating a Ramadan meal

شاب في سوق نابلس/تصوير عدي يعيش

  • في الثالثة صباحًا من كلّ يوم يخرج محمّد الأشقر البالغ من العمر 25 عامًا من نابلس إلى الحاجز، كي يصل إلى عمله لدى مقاول ترميمات في إسرائيل. خلال شهر رمضان يمرّ في السوق في طريقه إلى عمله. فخلال هذا الشهر يمكنه أن يشتري خبزًا ساخنًا من أحد المخابز التي تفتح أبوابها باكرًا كي توفّر الخبز الطازج للصائمين.

    Man sitting on curb drinking from a white bottle before the Ramadan fast
  • بما أنّه المسؤول عن إعالة أمّه وإخوته يفضّل تحضير السحور في الطريق كي لا يضيّع وقتًا،يقول محمد: " أحضّر شيئًا خفيفًا يمكنني تناوله بيديّ دون الحاجة إلى صحون أو أدوات أخرى".

    Man sitting on a curb beside a meal of pita and halva
  • يعلم إذا الحاجز قد فُتِح فقط في الصباح وهو في طريقه إلى هناك. "سمعتُ اليوم من الناس في السوق بأنّ الحواجز مُغلقَة ولا يمكننا الدخول ". هو يقول ذلك وهو يشعر باليأس. "هذا الأمر يصعّب علينا العيش لأنّ رزقنا غير مُنتظَم". يقول لنا أنّه عليه دفع قسم من الأجر الذي يتقاضاه للحصول على تصريح الدخول. بالإضافة إلى عدم الاستقرار، يصعب عليه أيضًا تمويل تعليمه وبناء بيت له وتخطيط مستقبله.

    Man holding freshly-baked pitas handing them to another man at a bakery
  • "إذا سألتِ الناس عن السبب الذي يصلّون لأجله في رمضان أجابوكِ بأنّهم جميعًا يريدون الهدوء. لا نريد المال ولا الغنى، بل الهدوء والعيش بحريّة كسائر البشر. وأن نستطيع أن نعمل ونتعلّم ونعيش كيفما نريد وليس بحسب ما يُفرَض علينا"، هو يقول ذلك بصوت مليء بالأمل.

    Man sitting on a curb eating a Ramadan meal before dawn