מסאחן
مقلوبة في إفطار رمضان | تصوير: ماتان شوفان

جولات سالم الجليلي

على مدى شهر واحد في السنة، يمرّر سالم خالدي جولات رمضانية تروي قصة المجتمع البدوي الجليلي المميز تشمل زيارة للحلواني المحلي ووجبة إفطار تقليدية في بيته

Janan |

الشمس مشارفة على المغيب في حي الزبيدات في بسمة طبعون ومؤذن المسجد على وشك رفع أذانه ليشير للصائمين بأن الوقت قد حان لتناول طعام الإفطار. في “حلويات الكرز”، وسط الحي، نجد الحلواني لطفي زَيود منكبًا على رقّ عجين الكعك والحلويات بينما تهرول نساء العائلة بين قلايات القطايف وبين الزبائن الواقفين في الدور أمام الدكان لاقتناء حلويات رمضان التقليدية، كالعوامة والكعك بعجوة والمعمول

סאלם חלדי
سالم خالدي

نلتقي في مدخل القرية بمرشد الجولات سالم خالدي. “كان أجدادي متقصو أثر ورعاة غنم بَدُو اعتادوا التنقل بين تلال “منطقة الغابة” [قضاء شفاعمرو]”، يقول المرشد الملتحي والظريف الذي عادة ما يعرّف نفسه، بفكاهة أحيانًا وبجدية تامة أحيانًا أخرى، “سالم الجليلي”. “البدوية ليست دينًا بل أسلوب حياة ترحالي، في الصحراء أساسًا، على نقيض أسلوب الحياة الفلاحي”. 

يتذكر خالدي طفولته بكونها فترة “بين بين” عاش فيها حياة تقليدية إلى جانب الحداثة (“أبوي كان نص بدوي – نص فلاح. وأنا طلعت أشكنازي”، يمزح). عمل أبوه في البناء والمقاولات وكذلك في زراعة أراضيه الخاصة التي كانت تنتج محاصيل صغيرة من الزيتون والقمح والشعير والملوخية والسمسم كانت تستخدمها العائلة. “كنا نحلب الماعز، نسخن الحليب ونضيفه للشاي. كنا نزرع السمسم (الذي كان يستخدَم لدُقَّة الزعتر) في بداية نيسان ثم ننتظر الحصاد. عندها كنا نفرش أغطية بلاستيكية على الأرض ونقلب عليها السمسم وندقّه قليلًا بعد أن يجّف لتفتَح حبوبه”. 

עוואמה
عوامة “حلويات الكرز” | تصوير: ماتان شوفان

بدأ خالدي جولاته “ليالي رمضانية بدوية جليلية” خلال فترة الكورونا، أساسًا لرغبته بكشف جماهير متنوعة من المجتمع الإسرائيلي على الثقافة الإسلامية عامة، والبدوية خاصةً، (“أريد أن يعرف الناس أن الثقافة البدوية أكثر من مجرد جمل وخيمة”). قرر خالدي أن يصبح مرشدًا بعد وفاة والده في حادثة تراكتور مؤسفة، ووجد تفردّه في هويته المركبّة. منذئذ وجولاته تمنح المشاركين فيها لمحة عن الثقافة الرمضانية البدوية في الجليل، من خلال أماكن وأشخاص وأطعمة تتميز بها المنطقة والثقافة التي نمت وتطورت فيها، مركزّة على الهوية المجزأة لمجتمع تقليدي مر بتحولات سريعة تحت رعاية الدولة. 

من بيوت الشعر إلى بيوت الحجر

منشأ معظم البدو الذين استوطنوا في الجليل هو الأردن والعراق وسوريا. يمكننا القول أن الموجة الكبرى للاستيطان في المنطقة كانت تبوّؤ ضاهر العمر للحكم في القرن السادس عشر، لكن هجرة البدو إلى المنطقة استمرت قرونًا عدة. غالبًا ما كان ترحال البدو متعلقًا بعوامل كالبحث عن مناطق الرعي والماء والغذاء، إلى جانب الحروب والثأر والنزاعات على الأراضي. استوطن البدو في مناطق غير مأهولة في الشمال مثل الحولة وبيسان ووادي زرعين (عيمك يزراعيل)، حتى ثلاثينيات القرن الماضي التي انتقلوا فيها للعيش باستقرار في بلدات دائمة لم تعترف بها الدولة. حوالي 100 ألف بدوي يعيشون في الجليل اليوم، مقابل 300 ألف آخرين يعيشون في منطقة النقب. على عكس بدو الجنوب، يعيش معظم بدو الجليل في قرى معترف بها وطنّتهم بها الدولة.

בכניסה למסגד בבוסמת טבעןזבידאת
مدخل المسجد في بسمة طبعون | تصوير: ماتان شوفان

“اعتمدت الثقافة وطرق كسب العيش البدوية، في عهد جدي وجد جدي، على قص الأثر ورَعي الأغنام”، يقول خالدي، “الوضع مختلف الآن، حيث يعيش في بسمة طبعون حوالي عشرة آلاف من السكان في بيوت ثابتة وفي إطار النظام الاقتصادي الإسرائيلي الحديث”. لم تعد رعاية الأغنام مربحة مع مرور الوقت واستبدِلَت لذلك بالعمل في مصانع الكيبوتسات والبلدات اليهودية المجاورة، إلى جانب أعمال البناء ومهن مربحة أكثر. “من بين مئات الأطباء والصيادلة والمحامين في المنطقة قد تجدون راعي غنم واحد ربما.” يذكر خالدي أيضًا قصة “المعزة السودا” التي كانت جزءًا مهمًا من ثقافة الرعي في المنطقة، حتى مرر الكنيست في العام 1950 قانون حماية النباتات من الماعز، الذي ارتكز أساسًا على القناعة بأن الماعز الأسود يسبب الأضرار للغابات النامية والنباتات. نتج عن هذا انخفاض حاد بعدد الماعز الأسود في المنطقة، لكن مكانته واحترامه أعيدا إليه بعد كارثة غابات الكرمل، التي كشفت، متأخرًا، عن أن الماعز الأسود قد لعب دورًا مهمًا في القضاء على النباتات التي كانت مسؤولة عن انتشار الحرائق. 

إمام المسجد محمد زبيدات يرحب بنا بلطف وهدوء. في واقع الحياة الإسرائيلية يضطر القائد الروحاني العمل في البناء والأعمال الترابية لإعالة أسرته. لم نستطع تذوق حلاوة التمر التي ضيّفنا بها الإمام بعد محادثة وشرح قصيرين عن المسجد إلا مع غروب الشمس عند خروجنا من المسجد. عندها، وبعد أن انتهى الأذان، وبعد أن انتعلنا أحذيتنا التي تركناها عند الباب الواسع، أخبرنا خالدي عن أركان الإسلام الخمسة: الشهادة، الإعلان عن الإيمان بالله الواحد; الصلاة، فريضة الصلاة خمس مرات في اليوم؛ الزكاة، ضريبة مقدارها 2.5% يدفعها المسلمون في جميع أنحاء العالم؛ الصيام والحج إلى مكة. في بيته الواقع وراء لافتة قديمة كانت تدل على موقع قرية الخوالد، يستضيف سالم خالدي، في الأيام العادية، الزوّار والضيوف في أمسيات خاصة ووجبات عشاء بطلب مسبق. لم يعد هناك استخدام للافتة المتقشّرة اليوم: في العام 1997، هجِّر سكان القرية غير المعترف بها، وهم من قبيلة الخالدي، وأعيد توطينهم في بسمة طبعون إلى جانب قبائل بدوية أخرى من المنطقة. بعد إجراءات قانونية طويلة، نجح خالد خالدي أبو عاطف بإقامة منزل العائلة، عزبة أبو عاطف، بعيدًا عن باقي البيوت في المنطقة. البيت الرعوي الذي يطل على مطحنة الراهب التي كانت تعمل في المنطقة حتى بداية القرن العشرين، يجذب إليه متنزهين يرغبون بنصب الخيام فيه ومجموعات وأفراد يأتون لتجربة ضيافة زراعية. يتيح المكان أيضًا إقامة أحداث وأمسيات صغيرة مناسبة لحتى 150 شخص (“أقمنا العام الماضي أمسية ليل هاسيدر في جانب واحد من المجمع ووجبة إفطار في جانبه الآخر”).

מילוי עטאייף
قطايف محشية جوز | تصوير: ماتان شوفان

عِزَب من باطون

نصل منزل خالدي بعد حلول الظلام. أمامه، على الطريق غير المعبدة المؤدية إليه، بين حقول القمح والبساتين والكروم الممتدة على ضفاف وادي صفورية، نلتقي بطابور طويل من السيارات الواقفة أمامه. تحت الطريق خيمة تتصاعد منها أصوات موسيقى ومرح. “اعتاد الرعاة البدو في الماضي استخدام العِزَب كمكان للمبيت والمكوث أثناء الرعي أو العمل الزراعي، في مواسم الزيتون مثلًا، وفي نهاية العمل كانوا يعودون إلى بيوتهم وعائلاتهم”. يخبرنا خالدي وشريكه للجولة، المرشد إيتسيك ليتاني (الذي يصّر في جولاته على الربط بين مجموعات مختلفة يتركب منها المجتمع الإسرائيلي) أن العزبة التي مررنا بجانبها هي العزبة المخصصة لولائم الإفطار، لكن خالدي يقول عن عزبة عائلته أنها دليل إضافي لسيرورات التحديث التي يمّر بها المجتمع البدوي: “غالبية العِزَب اليوم مصنوعة من الباطون تتعامل معها العائلة كما لو كانت تسيمر”. 

في الطابق العلوي من البيت، على طاولتين متصلتين، كانت بانتظارنا صحون صغيرة أنيقة فيها أشهى أطباق الإفطار: زيتون ومخللات ومكابيس، سلطة خضار، حساء عدس مفلفل، ملوخية، سلطة الملفوف بالجزر، مقلوبة خضار ودجاج بالسبع بهارات، فريكة بشعيرية مع لوز محمص، بالإضافة إلى زبديات الچولاش – كلها من تحضير رنا خالدي، زوجة المرشد، معلمة أطفال بمهنتها، التي وافقت على مساعدة زوجها في جولاته الرمضانية (“لم تكن الجولات لتنجح لولا دعم رنا”). 

في نهاية الأمسية، ومع الانتقال من طاولة الطعام إلى الأريكة في صالون عزبة عائلة الخالدي الحجرية، تبدو علامات التعب (والشبع!) على وجوه الضيوف التواقين لفنجان قهوة أو شاي مع القطايف المحشية بالجبنة أو الجوز. مع صور والده وجده في الخلفية، وبينما أصغينا للمزيد من القصص التي يبدو أنه لا يستطيع التوقف عن سردها، يواصل سالم خالدي بنثره للأمل وربطه بين أطراف المجتمع الإسرائيلي. بسحر شخصي وذكاء، وطعام لذيذ بالطبع، ينجح خالدي بسحر ضيوفه بهويته البدوية – التي يفتخر بها للغاية. 

سالم خالدي: 52-325-5918

للمزيد من التفاصيل انظروا: سالم خالدي، إيتسيك ليتاني، جولة إيتسيك في عكا