من التوراة إلى الطبق

خلال لقاء في مطبخ أسيف التجريبيّ، أخذتنا كلّ من باحثة الطعام القديم د. طوبا ديكشتاين، والصحفية الطاهية مايا دارين، في جولة طهويّة شيّقة، بدأت قبل آلاف السنين.

ايلي بئيري وميخال لفيت |

مهمّة تعريف المطبخ المحليّ الإسرائيلي، ليست سهلة على الإطلاق. الحديث يدور عن مطبخ تكوّن من أنواع متعددة من الأطعمة والمطابخ من جميع أنحاء العالم، ومن تقاليد طهويّة نشأت في هذه المنطقة خلال آلاف السنوات الأخيرة، وفي مناطق استوطنتها ثقافات قديمة على مرّ السنوات، ودّونت تاريخها.

تباناد الزيتون الرومانيّ : “عليك تحضير أفيتيروم من الزيتون الأخضر، الأسود والمرقطة كذلك. أَخرج البذور من الزيتون الأخضر، الأسود والمرقّط. أضف التوابل على هذا النحو: قطّع الزيتون، أضف الزيت، خلّ النبيذ، والكُزبرة، الكمّون، الشمير، الفيجن، النعناع. أدخل هذه المكوّنات كلّها في وعاء فخاريّ. اسكب عليها الزيت وقدّمها”. كاتو، عن الزراعة، 119

الأدب التوراتي وأدب الحاخامات، يُعتبران مصدرا تاريخيًّا، يمكن من خلاله الاطّلاع على الحياة اليومية المادية في المنطقة. تلك المراجع والآداب هي ذاتها التي ساعدت د. طوبا ديكشتاين، التي تبحث في الطعام القديم، لتعقّب المطبخ المحليّ القديم – والذي كان له دور في تشكيل ثقافة الطعام المحلية، على نحو ما نراها اليوم. ” لكلّ ما نعرّفه “كمحليّ”، هناك ماضٍ عظيم وأحيانا مفاجئ. كذلك الحمص جاء مع الصليبيّين”، أخبرتنا ديكشتاين في مستهلّ لقاء “من التوارة إلى الطبق”، الذي أقيم في طابق المطبخ التجريبيّ، في إطار ” يوم أسيف – محليّات”. “يمكن إيجاد الطعام المحليّ القديم، في نصّ من التوارة، المِشناه والتلمود. أعددت بحثي الخاص من خلال معاينة نتائج أثرية، نباتية وحيوانيّة. زُرت مطابخ لشعوب وجماعات عرقية في إسرائيل ومحيطها، وبحثت في أنواع طعام لجماعات عرقية محافظة في ثقافات الطعام القائمة في إسرائيل اليوم”. اليوم، وبعد لقب الدكتوراة، وبعد أكثر من 20 سنة البحث، يمكن القول إنّ ديكشتاين كشفت طبقة أخرى أو رافد آخر من جذور التراث الطهويّ المحليّ.

“عجّة” مع الأعشاب، بطريقة عرب مرجعيون : “بيضة مخفوقة صبت على خضار” ​​(مِشناه، شهادات، ب د)

الطعام المحليّ – الهوية المحليّة  

خلال اللقاء، الذي تناول الجوانب المحلية في بحثها، تحدّثت ديكشتاين عن العملية التي مرّت بها، في طرقها لاكتشاف الوصفات القديمة، وسلّطت الضوء أكثر على ثقافة الطعام في إسرائيل. بداية عرضت، ما هو الطعام من منظور الأدب التوراتي وآداب الحاخامات، وتحدّثت عن الدلالة الثقافية للطعام: “الطعام يمثّل هويّة، عائلة، حنين والمفهوم المحليّ”. على سبيل المثال، في كتاب “دفريم” (דברים)، يمكن أن نرى الفروقات الجوهرية بين المحاصيل الزراعية في مصر، وبين المحاصيل الزراعية في إسرائيل: “في خطاب النبي موسى الأخير، قبل دخوله أرض كنعان، قدّم لبني إسرائيل أدوات عمليّة لمواجهة الظروف المناخية للمكان الجديد. في مصر كانت المحاصيل تعتمد بالأساس على الحبوب، الخبز والسنابل، لأنّ النيل الطافح حتى الضفاف، هو من كان يسقي السهول. أشجار الثمار لا تنمو في مصر، لأنّ جذورها لا بدّ وأن تتعفّن في المياه. والآن هم يدخلون أرض كنعان – حيث تنمو فيها أشجار الثمار السبع، وتكثر فيها المراعي للحيوانات والأزهار للنحل – أرض تفيض لبنا وعسلا”.

حبوب الحمص المنقوع بالزعفران مع الجميد، بطريقة أتنايوس مانوكرتيس (אתנאיוס מנאוקרטיס) والطبيب اليونانيّ جلينوس.تصوير اورن شاليف

وماذا عن الفريكة – القمح الأخضر المدخّن – الطعام الذي تحوّل في السنوات الأخير لرمز بارز للطعام المحليّ، وتشكّل هويته القومية محورا لكثير من النقاشات؟ ” اللفظ فريكة مصدرها من كلمة “فرْك” أو الفعل فَرَكَ، لأنّه بإمكان فرك القمح”، حسب ما جاء بحث ديكشتاين. “في التوراة هناك قصة حول مئة من التلاميذ، الذين درسوا في جلجال خلال سنوات الجوع. تُذكر الفريكة لأوّل مرة، بعد أن طبخوا حساء عدس فاشلا، والتي أطلق عليها في التوارة “كرمل” (כרמל). ” وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَعْلِ شَلِيشَةَ وَأَحْضَرَ لِرَجُلِ اللهِ خُبْزَ بَاكُورَةٍ عِشْرِينَ رَغِيفًا مِنْ شَعِيرٍ، وَسَوِيقًا فِي جِرَابِهِ. فَقَالَ: «أَعْطِ الشَّعْبَ لِيَأْكُلُوا»” [سفر الملوك الثاني، 42]. خلال فترة الهيكل الثاني سمّي القمح الأخضر المدخّن “الهَرْش” (מלילות)، وهي مذكورة في الاقتباس ״הַשּׁוּם וְהַבֹּסֶר וְהַמְּלִילוֹת שֶׁרִסְּקָן מִבְּעוֹד יוֹם״ [مِشناه، سفر شهادات، إصحاح 2، مِشناه و].

  1. مكبا الفول:  ״العصيدة (النعنع) والزيت….يطفو فوقها …..”  [ملحق تفول يوم ب، د]. تصوير اورن شاليف

كيف يمكن استرجاع وصفة من التوارة  

مقابل الكتابة عن دلالة الغذاء المحلي، من منظور المصادر والأدبيات القديمة، جمعت ديكشتاين في بحثها عشرات الوصفات التوراتية القديمة، التي اعتادوا على تحضيرها في العصور القديمة.  عملية العثور على الوصفات تطلب الكثير من التجارب والإخفاقات، وفي محاضرتها شاركت الجمهور الطريقة التي قامت بها لاكتشاف الوصفة القديمة “مربّى” الزيتون الرومانيّ، أو الطعام المحليّ القديم – “مكافيه” (מִּקְפָּה)؛ و “أشيشوت” (אֲשִׁישׁ֔וֹת)، وهي أشبه بأقراص البطاطا التوراتية: “أشبه ما تكون ببسكوت الطاقة التوراتيّ، التي وزّعها الملك داوود على سكّان القدس”، تقول ديكشتاين بانفعال. “في سفر نشيد الأنشاد تذكر هذه الوصفات خلال قصة حبّ، ترويها شابّه عاشقة: “أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ. أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ، فَإِنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا.” [نشيد الأنشاد الاصحاح 2، 5]. هي بحاجة للأشيشوت (אֲשִׁישׁ֔וֹת) والإنعاش، لأنّها تدرك من صميم قلبها، أنّ حبّها مستحيل”، وتشرح قائلة – ” لم تكن لدي أدنى فكرة أو رمز ما المقصود بأشيشوت، لكنني وجدت في التلمود وصفا يُذكر فيه العدس المحمص، المطحون، المجبول بالعسل والمقلي”.    وعندها بحثت ديكشتاين واشترت انواع مختلفة من العدس.  حمّصتها وطحنتها بلا جدوى. “بعد أن كسرت مطحنة واحدة وألقت بمفلاة أخرى في الزبالة، أدركت أنّ الحلّ يمكن في شرح معنى الكلمة “مجبول” “. وبعد البحث والتنقيب، وبعد أن أدركت أنّ المقصود هو المسحوق الذي يضاف إليه الماء، ويخلط ليأخذ شكل الخليط (المجبول) – نجحت أخيرا في مهمتها.  “حمّصت العدس للمرة الرابعة، طحنت، وغربلت، وأضفت الماء والعسل وقمت بقليه. وهذه المرة حصلت على أقراص دقيقة ذهبية اللون، بمذاق حلو، وقوام رائع”.    

د. ديكشتين وشيف مايا درين. تصوير اورن شاليف

كيف كنت أعدّ حبات الحمص مع الزعفران، لو كان لدي مطعم قبل 5000 سنة، وكنت أرغب كذلك أن تظهر بشكل جميل على الانستغرام؟”

مايا درين
سلطة الملفوف، الكزبرة والفيجن وفقا لطبيب القيصر يوليانوس من القرن الرابع ق.م.،.، الذي ادّعى أنّ السَلَطة تنمع السُّكْر، تصوير اورن شاليف

الأبحاث والوصفات التي وجدتها ديكشتاين جمعت بين دفتي كتابها “رحلة الجذور – في أعقاب القصص والأطعمة المنسية في الطعام الإسرائيلي” (מסע שורשים – בעקבות הסיפורים והטעמים הנשכחים של האוכל הישראלי)، الذي يمكن أن نجده في مكتبة أسيف الخاصة. في إطار “يوم أسيف – محليّات” طلبنا أن نبثّ الروح والحياة في بحث ديكشتاين، وسوية مع طالبتها – الطاهية والصحفية مايا دارين، فقمنا بجولة طهويّة أسيف التجريبي.  ومعا، تولت الاثنتان الجانب النظريّ من الغذاء التوارتيّ، وقامتا بتحضيره. كلّ الوجبات – التي أُعدّت بإيحاء الوصفات الغذاء التوراتية المذكورة في بحث ديكشتاين – قدّمت للجمهور للتذوّق في نهاية المحاضرة.   

اشيشيوت و”عجّة” مع الأعشاب ،تصوير اورن شاليف

“جزء من الوصفات قريبة جدا من الأصل، وبعضها أعدّت من خلال التصوّر الشخصي لها”، تقول دارين وهي تعرض عملها الطهويّ. “أطبخ من جيل 19، وخضت تجارب كثيرة على امتداد مسيرتي المهنية”، تضيف. “أعيش وأتنفس ما هو قائم منذ آلاف السنين. أحيانا ينتابني شعور، بأنّ هذه الفترة الممتدة لأكثر من 5000 سنة لم تنته. القراءة في هذه الوصفات تبيّن أمرا أساسيا جدا ومعروفا، مما أغراني لأن أتقدّم بها خطوة للأمام – مباشرة للمطبخ. فكّرت في نفسي: كيف كنت أعدّ حبات الحمص مع الزعفران، لو كان لدي مطعم قبل 5000 سنة، وكنت أرغب كذلك أن تظهر بشكل جميل على الانستغرام؟”

“أشيشوت” (אֲשִׁישׁ֔וֹת)، وهي أشبه بأقراص البطاطا التوراتية: “أشبه ما تكون ببسكوت الطاقة التوراتيّ، التي وزّعها الملك داوود على سكّان القدس”، تقول ديكشتاين بانفعال. “في سفر نشيد الأنشاد تذكر هذه الوصفات خلال قصة حبّ، ترويها شابّه عاشقة: “أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ. أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ، فَإِنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا.” [نشيد الأنشاد الاصحاح 2، 5]. 

د. توفا ديكشتين
ترمس واشيشيوت: “يمنع على المراة طبخ طنجرة من الترمس والاشيشيوت ووضعها في الفرن بعد العتمه في مساء السبت” (توسفتا شبات 3.1)، تصوير اورن شاليف

تفتتح الوجبة التوراتية مع كأس نبيذ العسل من مصفاة يوليوس (نبيذ العسل هو شراب مسكر المعدّ من تخمير العسل والماء، ويعتبر أقدم المشروبات الكحوليّة التي عرفتها البشرية). كانت المائدة تعجّ بالأطباق، وكلّ طبق منها هو وجبة بحدّ ذاتها، إلى جانب اقتباسات من المصادر:  

    1. خبز من مشروع “أرض القمح” (ארץ חיטה)، القمح القاسي Hittia Soada و-8238 وقمح الخبز لبناني كسرى من الحقول التجريبية للمشروع، خُبزت على يد حجاي بن يهودا (“حجاي والخبز”) (חגי והלחם)
  1. تباناد الزيتون الرومانيّ : “عليك تحضير أفيتيروم من الزيتون الأخضر، الأسود والمرقطة كذلك. أَخرج البذور من الزيتون الأخضر، الأسود والمرقّط. أضف التوابل على هذا النحو: قطّع الزيتون، أضف الزيت، خلّ النبيذ، والكُزبرة، الكمّون، الشمير، الفيجن، النعناع. أدخل هذه المكوّنات كلّها في وعاء فخاريّ. اسكب عليها الزيت وقدّمها”. كاتو، عن الزراعة، 119
  2. “عجّة” مع الأعشاب، بطريقة عرب مرجعيون :“עַל בֵּיצָה טְרוּפָה שֶׁהִיא נְתוּנָה עַל גַּבֵּי יָרָק שֶׁל תְּרוּמָה, שֶׁהִיא חִבּוּר.״ ​​(مِشناه، شهادات، ب د)
  3. البازيلا والترمس  : ״לֹא תְּמַלֵּא אִשָּׁה קְדֵרָה עֲסָסִיּוֹת וְתוּרְמְסִין (מיני קטניות) וְתַנִּיחַ לְתוֹךְ הַתַּנּוּר כדי לבשלם בעֶרֶב שַׁבָּת עִם חֲשֵׁכָה״ (مِشناه، ملحق، שבת ج أ).
  4. مكبا فول: ״הַמִּקְפָּה וְהַחֲמִיטָה (שיבוש של אמיתא – מנטה, נענע) שֶׁל חֻלִּין וְהַשֶּׁמֶן שֶׁל תְּרוּמָה צָף עַל גַּבֵּיהֶן״ [ملحق טבול יום ب، د]
  5. حبوب الحمص المنقوع بالزعفران : مع الجميد، بطريقة أتنايوس مانوكرتيس (אתנאיוס מנאוקרטיס) والطبيب اليونانيّ جلينوس 
  6. سلطة الملفوف، الكزبرة والفيجن: وفقا لطبيب القيصر يوليانوس، في القرن 4 ق.م.، الذي ادّعى أنّ السَلَطة تنمع السُّكر
  7. أشيشوت : فطائر من نشيد الأنشاد، “أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ. أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ، فَإِنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا.” [نشيد الأنشاد الإصحاح 2، 5].
د. توفا ديكشتين، تصوير اورن شاليف

المزيد من المقالات من مجلة اسيف