يوم اسيف-أزمة المحليّة

ازمة الطعام المحلي كان عنوان سلسلة من جلسات الحوار جرت ضمن فعاليات يوم اسيف.

نوعا زيلبرج و ميخال لافيت |

“وجهة نظر محلية” – جلسة من أربع وجهات نظر مختلفة لمسألة “المحليّة” من خلال أزمة الهوية وأزمة المناخ.

تناولت الجلسة الصباحية بعرافة ميخال لافيت، مديرة البرامج والابتكار في أسيف، مناقشة مسألة المحلية في ظلّ أزمة المناخ ما بعد الجائحة العالمية، والحرب المشتعلة في أوروبا. كان لهذه العمليات تأثير بارز على الوعي العام، وعلى عادات الاستهلاك. خلقت هذه الأحداث المتطرفة، ولا تزال، تهديدا وتخوّفا حقيقيّين للأمن الغذائيّ والاقتصادي، واثارت مسألة أهمية الاقتصاد الغذائي المحليّ، إلى حدّ كبير. دعونا أربعة مختّصين من مجالات مختلفة، وقد عرضّ كلّ منهم وجهة نظره في المسائل التالية – ما هي المحليّة في إسرائيل؟ هل من المهم، المحبّذ استهلاك المحليّ، في ظلّ هذه الظروف كافة؟ ولماذا أصلا؟

كانت الإجابات مختلفة، وقد أثارت نقاشا صاخبا ومثيرا. وبشكل مفارق، حدث انقطاع للكهرباء لمدة ساعتين في المنطقة كلّها، خلال الجلسة التي تناولت الأزمة. انطفأت الأضواء في الواقع، لكن واصلنا النقاش على ضوء المصابيح، التي جعلت من الأجواء حميميّة وهادئة أكثر.

  1. أوري تسوك بار، نائب مدير عام البحث، الاقتصاد والاستراتيجيات في وزارة الزراعة وتطوير القرية، عرض وجهة النظر الحكومية والاقتصادية بما يتعلق بالغذاء المحليّ.  على حدّ قوله، فإنّ وزارة الزراعة ووزارة الصحة تشتركان في الرؤية التي تنادي بوجوب اعتماد حمية شرق أوسطية لأسباب صحية، مناخية واقتصادية. يقف هذا التوجّه في رأس عملية اتخاذ القرارات والإصلاحات الجديدة التي تشجّع على الاستهلاك المحليّ. كذلك، تحدّث عن التغيير الكبير الملاحظ عند المستهلكين، في أعقاب أزمة الكورونا. أفرزت الأزمة ” التضامن الاستهلاكيّ”، وبدأ الجمهور الإسرائيلي يفضّل الاستهلاك المحليّ، وبالأساس كرغبة منه في دعم المزارعين الإسرائيّليين ومصدر معيشتهم.
    • بالإضافة لذلك، ادّعى تسور بار بأنّ الجانب الاقتصادي، يعدّ من التحديات التي يفرضها الاستهلاك المحلي – وأحيانا يبدو أنّ استهلاك منتجات غير محليّة أقلّ تكلفة. وأضاف، بأنّ هذه الفترة تشهد تقدّما في سنّ قانون يلزم بوضع إشارة على المنتجات المحلية – وبالمفرّق كذلك – وهكذا يمكن للمستهلك أن يعرف ويختار المنتج الذي يشتريه.   
    1.  د. رافي جروسجليك، عالم اجتماع وأنثروبولوجيّ في مجال الغذاء، قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة بن غوريون في النقب، يهتمّ في بحث المصطلح “عضويّ” في إسرائيل، وقد بحث خلال السنة الأخيرة، سوية مع د. دنيئال منتريسكو ود. أريئيل هندل، المصطلح “بلديّ”. جروسجليك من دعاة الرؤية التي تعتبر أنّ الاستهلاك المحليّ مهم، لكن برأيه أنّ هذا التوجّه ينطوي على إشكاليات يجب مناقشتها. أوّلا، الإشكالية تكمن في طريقة فهمنا لمصطلح المحليّة. على حدّ قوله، مصطلح المحلية هو مصطلح متملّص، لدرجة يشكّ فيها بإمكانية استخدمنا لهذا المصطلح فيما يتعلق بالغذاء في إسرائيل. جروسجليك يفرض تحديات في هذا النقاش ويطرح الكثير من الأسئلة – ما هو الإنتاج الزراعي المحليّ الإسرائيلي؟؛ هل القومية والمحليّة سيّان؟ ما هو الطعام الإسرائيلي؟ هل الخبز الذي يعدّ هنا، من قمح مستورد يعتبر محليّا؟ إذا لم يكن المنتِج إسرائيليا – يعني لم يكن مواطنا يتمتّع بالحقوق التي توفّرها الدولة – هل يعدّ المُنتَج محليّا /إسرائيليّا؟ هل الإنتاج المحليّ المعدّ في معظمه للتصدير، هو محليّ؟
    برأيه، المحلية والعالمية هما مصطلحان متداخلان ببعضهما البعض. النقاش حول المحلية، لن يكون ممكنا لو كان في السياق العالميّ “لنزعة المحليّة”. كذلك، انتقد جروسجليك النقاش الحكوميّ المشجّع للمستهلكين، الذي عرضه أوري تسوك بار، وما فيه من إلقاء مسؤولية الحفاظ على البيئة، المجتمع والاقتصاد، على المستهلكين. وأضاف بأنّ استهلاك المنتج العضوي مقصور على مجموعات معينة، التي تتمتّع بثروة اقتصادية وثقافية.  جروسجليك يضيف ويدّعي بأنّ الطعام المحليّ يمكن أن يفسّر بطرق متنوّعة وكثيرة. المصطلحات “عضويّ”، “بلديّ”، “محليّ”، “طبيعيّ” و “زراعيّ” – تشهد تغييرات كثيرة.  لها دلالات متشابهة، لكن لها تفسيرات متنوّعة تتغيّر وفقا للمكان والزمان الذين تظهر فيهما، ووفقا لمَنْ يفسّرهما/تفسّرهما. على سبيل المثال، يعرض جروسجليك العلاقات المتبادلة بين السوق اليهوديّ والسوق العربيّ، في استخدام المصطلح “بلديّ”.  لا يتعلق الطعام بالجانب الزراعيّ، بقدر ما يتعلق بالجانبين الاقتصادي والسياسيّ”. إدخال نوع جديد هو طموح لا يتحقّق، وعلينا أن نفكّر بطريقة اجتماعية، اقتصادية وسياسيّة أكثر انفتاحا.  “المصطلح “مطبخ” ديناميّ جدا، ودائم التشكّل. وهو نتيجة لنزاعات الحدود الاجتماعية والسياسية التي تعرّفه وتحدّده. لذلك، ما نعرّفه اليوم بأنّه مطبخ محليّ، ليس بالضرورة أنّ يكون كذلك غدا”.  
  2. د. رامز عيد، مختصّ في الأنثروبولوجيا البيئية ومحاضر في الجامعة المفتوحة، الذي انضم إلى الجلسة من خلال الزوم، ينتقد السياسة الإسرائيلية في الحفاظ على البيئة.  برأيه فإنّ فرض هذه السياسة من “فوق إلى تحت” بدون تعاون السكان المحليين، ومعرفتهم الزراعية ومعرفتهم بالبيئة، تؤدي إلى غربة بين الإنسان وبيئته. يتطرق عيد لمصطلح “المحليّة” في السياق السياسيّ، كرمز للتواصل مع الجذور، رمز للحالة ورمز للأصالة. يدّعي أنّه يجب التعرّف على الطعام المحليّ – كما هو الحال بالنسبة للطبيعة المحليّة – في السياق التاريخيّ الذي يعيش فيه الإنسان، لتجنّب التبعية الثقافية.  وهكذا، على حدّ تعبيره، يمكننا التقدّم نحو التواصل وتحسين العلاقات بين المجتمع اليهوديّ والمجتمع الفلسطينيّ. 
  3. د. تسيبورا تايتل، باحثة في الكيمياء وبيوكيمياء الغذاء في معهد فلوكاني، عرضت وجهة النظر العلميّة بما يتعلق بالطعام المحليّ. من ناحيتها، كل ما يُزرع هنا يعتبر محليّا. والجانب الثقافي الذي يناقش السؤال – هل البطاطا، الكرفس والذرة، هل ستعتبر مرّة محليّة في إسرائيل – لا حاجة له مطلقا.  من ناحية علميّة، هذا الأمر لا يجب أن يكون مرسّخا أو معتمدا في العالم الطهويّ أو الثقافيّ. كل نبتة تنمو في الأرض المحلية، وتحصل على التغذية الكيماوية والبيولوجية من الأرض التي تنمو فيها، هي محليّة برأيها. وعلى حدّ أقوال تاتيل، نستهلك الخضراوات لأنها لذيذة وصحيّة. وعليه، من الأفضل أن نستهلك ما كان محليّا. من الناحية العلميّة، كلّما كانت الخضراوات أو الثمار طازجة أكثر، ستكون غنيّة أكثر بالموادّ المفيدة للصحة، وكذلك طعمها ورائحتها ستكون أقوى.  تاتيل أشارت في حديثها إلى مشاريع جديدة بقيادة معهد فولكاني، والتي تطمح بأن تعيد لإسرائيل، محاصيل تقليدية لم تعد موجودة، أو أن تجلب محاصيل جديدة للمنطقة، ومن بينها: العكوب الجبليّ (خرفيش)، السمسم والكاكاو.    

محليّ ومحقِّق: اختطاف الاستدامة على يد الصناعة   

أساف مينينبرج مزارع ومدرّس في “جينات هعيتس” (גינת העץ) وناشط بيئيّ. عرض مينينبرج عمليات ثقافية واجتماعية نمرّ بها خلال أزمة المناخ، وتحدّث عن صلتها بعالم الغذاء والمجتمع الطهويّ.

  1. الأزمة التي نمرّ بها، هي أزمة العلاقات بين الأشخاص الذين يعيشون هنا وبين المكان الذي نعيش فيه.
  2. خلال السنوات الثلاث الأخيرة يشهد مشروع أساف وروني – وهي شريكته في الحياة والعمل – تقدّما ملحوظا، المشروع المسمّى “جينات هعيتس” (גינת העץ)، وهو عبارة عن مزرعة لزراعة الخضراوات للمجتمع المحليّ، حيث يحاولان تطوير نموذج مُحقِّق لإنتاج الخضراوات.
  3. ينتقد مينينبرج رؤية الاستدامة التي تجذّرت في الاتجاه السائد، والتي يُطلق عليها “استدامة اصطناعية”. برأيه، لا أحد يسأل ما هو الامر الذي يستحقّ أن يكون مستداما. ” إذا أخذت منتجا غذائّيا مصنّعا، وغيّرت غلافه حتى يحتوي على كمية أكبر من المواد معادة التدوير؛ أو إذا كنت أبيع موادّ إبادة سامّة، وأحسّن من عمليات إنتاجها حتى تحتوي على أقلّ كمية من النفايات؛ إذا كنت مجمّعا تجاريّا، %90 من المبيعات فيه هي منتَجات صناعية جدا، المصنوعة من عمليات الإنتاج والاستغلال، وأقوم بتغيير الأكياس التي أضع فيها المنتجات التي تُباع، من أكياس بلاستيكية إلى ورقيّة؛ إذا كنت مؤسسة للغذاء المصنّع، التي تستثمر المليارات في “الزراعة المجدّدة” في الوقت الذي أواصل فيه بيع المنتوجات المصنّعة والمضرّة ذاتها؛ إذا كنت دولة توقّع على اتفاقية تلزمني بوقف انبعاث الكربون حتى عام 2030، في الوقت الذي لا أقومّ فيه بأي تغيير بعمليات الإنتاج لدي، بل أواصل فقط شراء مخزون من الكربون من الدول الفقيرة – إذا كنت أقوم بهذه الأعمال كلّها، فأنا بذلك أحقّق وأنفّذ ما هو غير قابل للتحقّق والاستدامة. ما أقوم به، هو تمديد الشرعية لهذه الشركات، لمواصلة إنتاج منتَجات ضارة، في الوقت الذي لا تقدّم فيه هذه الشركات أيّ فائدة حقيقيّة للإنسانية والبيئة.
  4. الطبيعة ليست ركاما من الموارد. كلنّا نعتبر هذا الخطاب أو النقاش الشائع كمفهوم ضمنا، في حين أنّ ما قد يساعد على إخراجنا من الأزمة – هو التوقف عن الايمان والثقة فيه.
  5. يتوجّه مينينبرج للجمهور ويلخصّ بدعوة ” كما لا تساومون على غذائكم، لا تساوموا كذلك على علاقتكم مع البيئة”.

المحليّة 2.0 – حوار حول المحلية والابتكار 

الجزء الثالث من الجلسة الصباحية تناول عرض تكنولوجيا الغذائية المبتكرة، في سياقات المحليّة. التكنولوجيا المبتكرة لإنتاج الغذاء، هي ربما إحدى المجالات التي تفرض علامة استفهام كبيرة جدا، حول قضية المحليّة. وفي هذه المرحلة بالذات، توقّف المولّد الكهربائيّ عن العمل، والبث (التسجيل) انقطع كذلك. ممثلو منتجي التكنولوجيا الغذائية فرضت عليهم الحالة الجديدة تحديًا، وعرضوا ما لديهم بدون عارضات ومكبّرات الصوت، في الفضاء المُنار في “مقهى أسيف”، حيث ساد في الخلفية صمت تامّ. كانت الحالة بمثابة الحدّ الأدنى من التقنيات (לואוטק).

تصوير اورن شاليف
تصوير اورن شاليف
  1. إليران إليميلخ، نائب مدير عام تطوير البيئة الحيوية في – Start-Up Nation Central، وهي مؤسسة تعمل على تطوير الابتكار الإسرائيليّ وعرضه للعالم، عرض برنامج الـ – Finder الذي أقامته المؤسسة، والذي يُستخدم كمحرّك بحث متقدّم ورائع لإيجاد كافة الشركات الإسرائيلية الناشئة. الـ – Finder هو أكثر المنصات الرقمية موثوقية في العالم، للتواصل مع منظومة الابتكار الإسرائيلية، والتي تمكّن المستخدمين من كافة أنحاء العالم للتعلّم عن الفرص التجارية، والانضمام للأشخاص المركزيّين في صناعة الهايتك الإسرائيلية.  بواسطة البحث البسيط والمشترك بين إليميلخ والجمهور – وُجد أنّ في إسرائيل هناك 372 شركة “تكنولوجيا غذائية” إسرائيلية، والرقم في ازدياد. 
  2. أودي ألروي، مدير عام شركة CarobWay التي تُنتج منتوجات الخروب من محصول عالي الجودة وقابل للاستدامة. الشركة تطوّر محاصيل الخروب المتأقلمة التي مصدرها من منطقتنا.  الخروب الذي يزرعونه يتصف بدرجة عالية من القوّة، ويتطلب ظروف زراعة موفّرة وناجعة.  تعمل شركة CarobWay بطرق ابتكارية تطوّر الاستدامة، تقليص النفايات والمسّ بالبيئة.  كذلك، تطوّر الشركة طرق أخلاقيّة للتجارة العادلة، الشراكة طويلة الأمد مع المزارعين الجماهيريّين، غرس بساتين في أماكن مركزية في إسرائيل، وتوفّر دخلا وموادّ غذائية للمنطقة. المنظومة الكاملة لشركة CarobWay تستند على مجالات معرفية متنوّعة، ابتداء من الخبراء الزراعيّين وصولا إلى الباحثين ومهندسي الغذاء. 
  3. د. لي ريخت، نائبة مدير عام الاستدامة في شركة Aleph Farms التي تعمل على تطوير منصة إنتاج اللحم المصنّع من خلايا طبيعية للحيوانات. برأيها، تتطلب هذه العملية جزءا بسيطا جدا من الموارد المطلوبة لتربية كاملة لحيوان بهدف تزويد اللحم، وكذلك توقف الحاجة في استخدام المضادات الحيوية.  عرضت ريخت إيجابيات اللحم المصنّع، واستخدام التكنولوجيا الغذائية، كردّ فعل لأزمة المناخ وطريقة لمواجهة وتقليص المسّ البيئيّ. 
  4. عنات ناتان، مدير عام ومؤسِسة مشاركة في شركة Anina – Culinary Art التي تعمل على تطوير وجبات سريعة التحضير، والمركّبة من كبسولات مصنوعة من خضراوات مُنعت من التسويق لأسباب جمالية وشكلية فقط، لكنّها مناسبة للأكل تماما.  الحلّ الذي تطرحه الشركة، هو الدمج الخاص بين التكنولوجيا الابتكارية وبين تجفيف الخضراوات، ومحاولة تصميمية إلى جانب المعرفة في المجال الطهويّ – بهدف إنتاج حلول تستند على الغذاء المحليّ المُنقَذ، اللذيذ والمناسب للأكل. 
  5. تسور لستر، رئيس قسم الكحول في مطاعم الشيف يوفال بن – ناريا. يُعدّ لستر في الفترة الأخيرة، سوية مع مختصّ النبيذ والمشروبات إيال دروري – ساكي محليّ، الذي يُنتج حتى الآن من أرز غير محليّ. ساكي هو عبارة عن نبيذ أرز يابانيّ تقليديّ، الذي بدأ يظهر في السنوات الأخيرة، ضمن لائحة النبيذ وفي حوانيت المشروبات الروحيّة في إسرائيل. يقول لستر بأنّه يطمح أن يعدّ نبيذا خلال السنة القادمة، من الأرز الذي يزرعونه في إسرائيل، وقد حظينا في نهاية الجلسة بتذوّق الساكي المحليّ الأوّل في إسرائيل!

المزيد من المقالات من مجلة اسيف