פרג
الذهب الأسود. تصوير: جاي أشكنازي

على خطى الخشخاش المحرم

من الجاليات اليهودية في القرون الوسطى وحتى الستينيات في موشاف بئير طوفيا: يسير الصحافي أساف أبير على خطى الخشخاش وبذوره متتبّعًا لعلاقتها بعيد المساخر (البوريم).

Janan |

في صباح يوم مشمس في بداية صيف 1962، خرج طلاب مدرسة “مفوؤوت” الابتدائية في بئير طوفيا لقطف زهور الخشخاش. كانت زهور الخشخاش في بئير طوفيا ضخمة جميلة، قطر كل منها بحجم قاع فنجان قهوة كشفت أوراقها عند تساقطها عن قرنات أشبه بالرمان تخشخش كالخرخشية عند تجفيف بذورها الحلوة – المرة. كانت هذه البذور، التي خيِّل أنها نتاج حُب جمع الهيل بمشروب ليكر حلو لذيذ، تنمو في مزرعة عائلة كرميئيل، أبناء الموشاف. استخدم حصاد ذلك اليوم لجمع التبرعات للأطفال المصابين بشلل الأطفال جانيًا 90 ليرة بالمجمل. 

عادة ما ارتفعت مدخولات عائلة كرميئيل خلال أشهر الشتاء، قبَيل عيد البوريم (المساخر)، موسم إزهار الخشخاش الذي يمتّد بين آذار وحزيران. لكن كل هذا انتهى في أحد الأيام، لأن كل نبتة خشخاش تنتج بذورًا صالحة للأكل تنتج شيئًا آخر أيضًا: عند شق الساق أو العُلَيْبَة يتسرب منها لثى أبيض، مخدر منوّم: أفيون، “حليب النبات”، كما يسمونه باليونانية القديمة، المادة الخام لتحضير الهيروين. سمحت المعاهدات والاتفاقات بزراعة الخشخاش تجاريًا لدول معيّنة قليلة: توفر تشيكيا وتركيا حوالي نصف بذور الخشخاش والأفيون القانونية في العالم. وفي إسرائيل، أغلِقَت مزارع الخشخاش واحدة تلو الأخرى; من بينها مزرعة عائلة كرميئيل.

Poppy Field
حقل الخشخاش في بئير طوفيا

سمعت هذه القصة من ابنة بئير طوفيا، نيتسان يردين سوسيد (عملت كفنانة خَبز ومرشدة طعام على مدى السنوات الـ 25 الماضية) التي تعلم خَبْز الخُبْز في مدرسة الطَّهي أتيليو (Attilio). يصعب عليها ما آلت إليه الحقول، لكن مصير الحبوب نفسها يحزنها أكثر حتى، لأنها “صارت دقّة قديمة، أوزني همان تبعت الجدات، تبعت زمان، قبل ما رولادين تعمل كعك أوزني هامان بحشوات مطنطنة”.

تضيف يردين سويد أن مكانة بذور الخشخاش المتدنّية هي من ذنب المسوّقين أيضًا. “لما تشتري كيس بذور خشخاش جاهز بيكون صار مر. البذور مليانة دهن والدهن بيبّرّد – ولا خصّه بالخشخاش الطازة الطيب الحلو. خسارة. لأنه منقدر نعمل مليان أشياء مع بذور الخشخاش الطازة الطيبة. يمّا شو بحبها!”.

للأغنياء فقط

قد يكون السبب وراء تجاهل حبوب الخشخاش هو تصورّها كمادة عادية ومملة طالما كانت هنا: اعتاد سكان حوض البحر المتوسط أكل بذور الخشخاش وتدخين الأفيون من العصر الحجري. تم اكتشاف آثار الأفيون في الأواني الفخارية من الفترات التوراتية. أوصى أبقراط (أبو الطب الغربي) منذ أكثر من 2400 عامًا، بوصفة بذور خشخاش مطحونة مطبوخة بالعسل. جالينوس، أحد تلاميذه، أوصى برّش بذور الخشخاش على الخبز قبل الخَبْز. طالما كانت بذور الخشخاش هنا، للشفاء والمواساة.

בורקס פרג
بوريكس بذور الخشخاش

قد يكون السبب وراء تجاهل حبوب الخشخاش هو تصورّها كمادة عادية ومملة طالما كانت هنا: اعتاد سكان حوض البحر المتوسط أكل بذور الخشخاش وتدخين الأفيون من العصر الحجري. تم اكتشاف آثار الأفيون في الأواني الفخارية من الفترات التوراتية. أوصى أبقراط (أبو الطب الغربي) منذ أكثر من 2400 عامًا، بوصفة بذور خشخاش مطحونة مطبوخة بالعسل. جالينوس، أحد تلاميذه، أوصى برّش بذور الخشخاش على الخبز قبل الخَبْز. طالما كانت بذور الخشخاش هنا، للشفاء والمواساة.

ليس هذا غريبًا، كون بذور الخشخاش واحدة من التوابل القليلة التي منحتها أوروبا للعالم، إلى جانب بذور الكرفس والخردل واليانسون. عادة ما تأتي التوابل من المناخات الاستوائية حيث طورت النباتات “أسلحة” كيميائية لطرد الطفيليات والآفات. تستخدم نباتات الخردل الكبريت لمحاربة الزواحف التي تأتي لقضمها. يحارب إكليل الجبل (الروزمارين) الحشرات والفيروسات بكوكتيل حمضي يفسر رائحته. أما الخشخاش فيخدّر أعدائه والمتطفلين  عليه مغرقًا إياهم بنوم أبدي. لكن هذه “الأفخاخ” هي إثارة رائعة لللسان والأنف. قد يكون هذا لاحتواء حبوب الخشخاش على بقايا أفيون قليلة، المرارة إياها التي تثير بنا الرغبة للمزيد. قد يكون الأفيون هو المسؤول عن هذا العبق الذي يعلق في أنوفنا عندما نأكل عجينة بذور الخشخاش الطازجة، أو أن بقايا الأفيون هذه تزيد من إحساسنا بالمتعة، بغض النظر عن النكهة نفسها، الـ “يمممم!” إياه، الذي نتمتم بها عند أكل حبوب الخشخاش الطازجة.

قدِمَت إلينا البرَك من آسيا. كانت البرَك زاد السفر لتجار طريق الحرير وزوادة العمال المغول. عثِر على بقايا جيوزا وسمبوسك جافة على طول طرق التجارة القديمة، اكتشف أقدمها، الذي يبلغ من العمر حوالي 1500 عام، في مقاطعة شينجيانغ غرب الصين، في أرض الأويغور، وسط آسيا. أطلِق على البرك في أوروبا في العصور الوسطى أسماء كالبيروجي والمانتي والرافيولي، بينما أطلِق عليها في البلدان الجرمانية اسم “تاش”، أي “جيب صغير”: كانت لديهم بليشنتاشِه باللحم وجموزتاشِه بالخضار وكارتوفلتاشِه بالبطاطا وكازتاشِه بالجبن ولاكستاشِه بسمك السلمون. هذا بالإضافة إلى الأنواع الحلوة من التاشِه أيضًا: نوستاشِه بالمكسرات، كيرشنتاتشِه بالكرز، وفي الشتاء – مانتاشِه: غلاف مثلث من عجين الخميرة محشي ببذور الخشخاش. 

حلويات هامانتاشين المختمرة المحشوة ببذور الخشخاش. تصوير ارماندو رافائيل
حلويات هامانتاشِه المحشوة ببذور الخشخاش. تصوير ارماندو رافائيل

ثم التقينا بالمانتاشِه، واختير الخشخاش ليكون طعم البوريم. هي قصة الأطعمة الأشكنازية نفسها. كتب شميل هولاند، الخبير بالمطبخ الأشكنازي، عام 2016 في كتاب “بوليش”: “كان طعام أبائنا طوال العصور الوسطى وبداية العصر الحديث نسخًا من طعام الأوروبيين من غير اليهود. وعندما كان عليهم المغادرة، للهجرة أو الفرار، أخذوا طعامهم معهم”.

كانت العلاقة بين المانتاشِه الألمانية وعيد البوريم وليدة الظروف: كانت البذور شائعة ورخيصة لأنها كانت في موسمها، وكان الشكل المثلث مناسبًا لإرساليات العيد لأن باقي الحلويات كالمانشترودل (كعكة الخشخاش) والمانودل (فطائر حلوة كالنيوكي مغطاة ببذور الخشخاش) والمانكلوسا (بودنغ خبز غني بالخشخاش) لم تكن مناسبة بالقدر نفسه. أكثر ما كان مناسبًا كان الاسم: “هَمان تاشِه” – جيوب (آذان) هامان. 

“هذا كل ما يربط بذور الخشخاش بعيد البوريم”، يقول هولاند، “الرمزية، البذور ككنز الملك، المعجزة الخفية، كل هذه تفسيرات متأخرة للحكماء اليهود. لا علاقة بين الهمانتاشِه وبين همان أو آذانه. هنالك “أوزني همان”، آذان همان، حلوى كان يتناولها اليهود الإيطاليون، عجين مقلي يشبه كعكات البالميني، أو آذان الفيل. كان الهمانتاشِه أكثر شيوعًا، وفي أوائل القرن العشرين، عندما حظي بشعبية في إسرائيل، هذا هو الاسم الذي أطلقوه عليه، اعتمادًا على أدبيات العصور الوسطى”.

“بذور الخشخاش بتحط الشوكولاتة بجيبتها الزغيرة”

ذكِرت آذان هامان الإيطالية الأصلية في ما تعتبَر الكوميديا ال​​عبرية الأولى، “كيدوش كوميدي” من القرن السادس عشر في إيطاليا حيث يذكرون أكل آذان همان، وهي “رقائق سميد بالزيت”. ثمة مراجع أقدم في كتب مفسرين للتوراة تتحدث عن “آذان مطبوخة”. وجدت آخر ذكر لها في “كتاب الطبخ الفولكلوري” لمولي بار دافيد من العام 1964 الذي يصفها على أنها “كعيكات ملفوفة مقرمشة”. 

في قسم الوصفات في صحيفة “هايوم” اليمينية من العام 1966، كتبت الصحافية الشابة جودي وينكلر وصفة لآذان همان، هي نوع من الرقائق المربعة المصنوعة من عجينة المعكرونة المخبوزة بمسحوق الخبز. ينفجر مسحوق الخبز في الزيت العميق مكوّنًا فقاعات عديدة تتجمد في الرقاقات الملتوية المتصلبة.

טחינה של פרג טרי
إحرصوا على شراء بذور خشخاش طازجة

من الوارد أن هذه الحلوى أيضًا قد دحِضت جانبًا، كما حصل مع بذور الخشخاش، التي هزمتها النكهات الأجنبية التي وصلت أوروبا مع العولمة. من يمكنه التغلب على هذه النكهات، وخاصة الشوكولاتة منها؟

“جاي ع بالي أفوت ع المطبخ وأجربه”، تقول ياردين-سوسيد، “بذور الخشخاش بتقدر تكون أطيب من الشوكولاتة. الخشخاش كثير مميز والشوكولاتة بتصير كثير ثقيلة بشي مرحلة. مرارة الخشخاش كثير طيبة. قوام النوتيلا، وشبيهاتها، الكريمي عامل مهم، وفعلًا لازم نفكر بالقوام. في معجون بذور خشخاش صناعي بفكر طعمته كثير سيئة لأنه الخشخاش لازم يكون طازج دايمًا. الخشخاش واو.” 

“بذور الخشخاش بتحط الشوكولاتة والمرزبان وكل الحشوات الباقية بجيبتها الزغيرة – الخشخاش أطيب حشوة”، يقول هولاند، “الإشي بالراس. لما نفكر بالمعجنات منفكر دايمًا بالمعجنات الفرنسية، بس معجنات فيينا ومركز أوروبا هي تراث بحد ذاته. في مطاعم ميشلن بتقدم كعكة بذور الخشخاش برسبيرغر. بس لازم نستخدم بذور خشخاش طازجة وعالية الجودة، والخليط لازم يكون متبّل منيح، ميكنش ناشف، ويكون مطبوخ بكثير حليب وزبدة.”

يقول هولاند وياردين سوسيد أن الناس نوعان: من يحب الخشخاش ومن ينفر منه. لا يلائم الطعم الجميع، والقصة قصة ذوق، لكن من يحب بذور الخشخاش هو الفهمان.

للمزيد من وصفات بذور الخشخاش