داخل المطبخ اليافاويّ

نلقي النظر الى مطبخ الطاهية ندير أبو سيف، التي تعرض أمامنا مفهومًا شخصيًا عصريًا للأطباق التقليدية التي تعلّمتها من والديها

متان شوفان |

“كان والدي طاهيًا”، تحاول ندير أبو سيف (28) تفسير سرّ انجذابها للمطبخ. “عمل مدة 10 سنوات في مطعم مانتا راي وبنى لهم قوائم طعام، إلّا أنّه أجبر على التقاعد بعد إصابته بمرض القلب. نصف الأطباق التي أقوم بإعدادها اليوم تعلّمتها منه رغم أنّ التطفّل عليه في المطبخ لا يروقه”، قالت ضاحكة. “من ناحية أخرى، لربّما الأمر وراثيّ، أستطيع معرفة مكوّنات الطبق من رائحته”.

وُلدت ندير وترعرعت في يافا. والدها يافاويّ الأصل ووالدتها من مدينة الطيبة، إذ تشرّبت على مدار حياتها من المطبخ الفلسطينيّ المدنيّ وكذلك من المطبخ القرويّ، أو “الفلّاحي” كما تسمّيه. بدأت تطبخ في سنّ الحادي عشر، بعد طلاق والديها. “كنًا 9 أشخاص في المنزل. كانت والدتي تعمل ولم يكن لديّ خيار سوى الطبخ. لكنني أحبّ ذلك فالطبخ يهدّئني. حتّى هذه اللحظة”. بعد ذلك، بدأت ندير العمل في الطبخ لاكتساب رزقها وعملت في مطاعم مختلفة. في مرحلة ما كانت تملك مطعمًا بمشاركة زوجها الأوّل في شارع “همسجير” في تل أبيب، “كان زوجي يقدّم شرائح الدجاح واللحوم بينما كنت أعدّ الطعام البيتيّ وأرسله للمطعم”.

الطاهيه ندير ابو سيف في مطبخها
تصوير:دور كدمي

واليوم هي منشغلة بأمورها الشخصيّة فهي تنتظر مولودها الرابع. هذا لا يعني أنّها خفّفت من الطبخ؛ تضحك حماتها، التي ظهرت صدفة أثناء الطهي، فعند تأثيث المنزل فكّروا في وضع سرير بجوار المطبخ لأن ندير ترفض الخروج من هناك. الحلم في افتتاح مطعم يراودها ولكن ليس في يافا. “أتظن ذلك؟ سأفتحه في تل أبيب. في يافا لا يتمّ قتح مصالح تجارية. سيقدّم المطعم مأكولاتي الخاصّة – بناء على ما تعلمّته من والدي، مع إضافة التوابل التي أحب.ّ ذوقي الخاصّ”.

حلمي هو امتلاك مطعم خاصّ بي. سيقدّم المطعم مأكولاتي – بناء على ما تعلمّته من والدي، مع إضافة التوابل التي أحب.ّ ذوقي الخاصّ”.

ندير ابو سيف

لا تكتفي ندير بإضافة التوابل التي تحبّها إلى الأطباق التقليدية والعائلية فحسب، بل تُحدث تغييرًا في أساليب وطرق الإعداد. تعدّلها وتضع بصمتها الخاصّة. بينما تسكب ندير حبّات الشيشبرك لحساء اللبن المطهوّ على النار، تضحك قائلة إنّ حجم حبّات الشيشبرك التّي يحضّرها والدها أكبر بأربعة أضعاف. هي لا تتقن حجمها فحسب بل إنّها تخبزها قبل الطهي وتضيف النعنع المجفّف إلى اللبن، على عكس والدها.

شيشبرك تصوير: دور كدمي

“هذا ما يميّز طبقي. لم يكن أبي مقتنعًا إلّا أنّه يضيف الأن النعنع أيضا”. إلى جانب الموهبة التي تتمتّع بها، فهي تتشرّب، تتعلّم وتنكشف على مطابخ تختلف عن تلك التي ترعرعت عليها. بفضل حماتها السابقة على سبيل المثال، تقوم أيضًا بطهي الطعام البخاري وتضيف بأنّها متأثّرة جدًا بالمطبخ التركي – ما يفسّر إضافة النعنع المجفّف المتعارف عليها في طبق المانتي التركي.

واحد من الأطباق القليلة التي لا “تعبث” بها هي سماط. “هذا الطبق الذي يميّز يافا وكلّهم هنا يأكلونه” هو عبارة عن حساء العدس المجروش مع الشعيرية، يتمّ تقديمه مع بقدونس مفروم ونوعين من البصل: مخلّل بصل بالسماق وبصل مقلي. وجبة مغذّية ومعزّية تحمل نكهات عديدة تمزج ما بين الحامض والحلو، نظرًا لإضافات البصل المختلفة.

طبق إضافيّ يميّز يافا هو صيادية ،والتي ربّما يعرفها الكثيرون من المطبخ اللبناني – سمكة كاملة، مقليّة، مقدّمة على وجه الأرز الأصفر والمتبّل. “إنّ المطبخ اليافاويّ متأثّر من المطبخ اللبنانيّ”، تعلّق ندير. “هناك العديد من الأطباق المتشابهة. في القرى، لا يعرف الفلّاحون ما هذا الطبق. لطالما تفاجأ القادمون من خارج يافا من هذه الوجبة”.

صياديه على الطريقه اليافويه. تصوير:دور كدمي

تعلّق الطاهية فرح رسلان، التي تعيش اليوم في كريات شمونة بينما ولدت وترعرعت في جنوب لبنان: “الصيادية شهيرة في المناطق الساحلية، من شمال طرابلس وحتى صيدا. وفق مصادر عدّة، يقال إنها لبنانية الأصل. في بلادنا هي شهيرة في المدن الساحلية عكا ويافا وذلك يعود لقربهم من البحر ولتوفّر الأسماك هناك. مع ذلك، لا أحد ينكر أنّنا جميعًا متأثّرون بالمطبخ الشامي، السوري، اللبناني والفلسطيني”.

ما الذي تعلّمته من والدتها؟ دوالي، محشي ورق العنب. “يتم تحضير هذا الطبق في مناطق عديدة ولكلّ منها نسختها الخاصّة، كإضافة صلصة مع الطماطم أو البصل، لكنني لا أرغبها بهذه الطريقة. أنا أعدّ نسخة الطيبة، على طريقة والدتي، إذ تتكوّن الصلصة من الثوم والليمون. النسخة الاحتفالية من هذا الطبق هي حشو قطعة من لحمة الخروف بورق العنب المحشو، قبل طهيها، خياطتها وشيّها لمدّة طويلة وببطء. بعدها نحصل على لحم يسقط عن العظام وأوراق عنب تشرّبت وطُهيت بنكهات ممزوجة بدهن الخروف.

دوالي. تصوير:دور كدمي

أوراق العنب التي تقوم بتحضيرها رفيعة ومشدودة , وردًا على السؤال عما إذا كانت هذه المهمّة صعبة للغاية أم لا، أجابت، “أنا أستمتع بذلك. أحبّ القيام بمثل هذه الأعمال في منتصف الليل، أثناء نوم أطفالي”. هي تعلّق أيضا على حبّات الشيشبرك الصغيرة، كلفّ أوراق العنب بدقّة، هذا يتطلّب مهارة في استعمال الأصابع وأساسًا التحلّي بالصبر.

بينما تُطبخ أوراق العنب ببطء بين أضلاع الخروف، تُضيف ندير شرائح رقيقة من البصل المفروم الممزوج بالسماق وزيت الزيتون وتضع فوقهم أفخاذ دجاج مشويّة. تدخلهم إلى الفرن بهدف تحميرهم. المسخن أيضا تعلّمته من والدتي. يقوم الفلاحون بإعداده كل الوقت. مثل المنسف البدويّ أو الصيّاديّة في يافا، المسخّن هو طبقهم اليوميّ. في المناسبات الخاصّة تتمّ إضافة اللحمة المفرومة مع البصل.

 بعد فترة قصيرة في الفرن، تقوم بإخراج الطبق، تفصل اللحم عن العظم وتقدّمه لنا على طاولة مليئة بما لذّ وطاب.

لوصفات الطاهية ندير أبو سيف، اضغطوا هنا